يا طـالـب المـجــد فـي عجــور مــورده =عـــذب مـعـيــن يـروّي غــلــة فـيـنـــــا=شــــم الأنــــــوف أبــاة دام عـــزهــــــم =هـــم الأوائــل إن نــادى مـنــاديــــــنــــا=تـفـوح يـا بـاقـة الأزهـــار فـي وطـنــي =فــوح الأريـــج ونـفـح الطيــب يغـريـنـا كلمة الإدارة


مبارك .........مبارك لعجور ومنتديات عجور       »     عجور التاريخ و الحضارة - الحلقة الثانية       »     سجل الوفيات لعجور ١٣٢٠هـ -١٣٣٠هـ ١٩٠٢م - ١٩١١م       »     عجور التاريخ و الحضارة       »     ميزانية قرية عجور - 1939       »     عجور - وقوعات الزواج 1915م       »     عهد عشائر عجور بالحفاظ على اراضي عجور المشاع و عدم بيعها لل       »     اول أحصاء(حصر نفوس) موثق لسكان عجور1878م       »     أراضي عجور المشاع - حصري       »     اسماء من عجور مطلوبون للضريبة 1       »     ضريبة الانتداب البريطاني "3"       »     عجور - لجنة 18 ( اللجنة القومية لعجور)       »     أراضي عجور الحكر       »     عجور التاريخ و الحضارة-الحلقة الثالثة       »     علم النفس الاجتماعي       »     ملوك المملكة الاردنية الهاشمية       »     موسوعة صور القدس- زهرة المدائن       »     دليل الجامعات العربية و العالمية       »     روائع الشعر العالمي       »     موسوعة الاصول و القبائل العربية كاملة       »    

آخر 25 مشاركات
ملف عن الحج وما يتعلق به (الكاتـب : نور الهدى - آخر مشاركة : قلم حزين - )           »          كبرت بنتــي / قصة مؤثرة (الكاتـب : أمان - آخر مشاركة : قلم حزين - )           »          مبارك .........مبارك لعجور ومنتديات عجور (الكاتـب : م .نبيل زبن - آخر مشاركة : نور الهدى - )           »          عجور التاريخ و الحضارة - الحلقة الثانية (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          سجل الوفيات لعجور ١٣٢٠هـ -١٣٣٠هـ ١٩٠٢م - ١٩١١م (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          عجور التاريخ و الحضارة (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          ميزانية قرية عجور - 1939 (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          عجور - وقوعات الزواج 1915م (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          عهد عشائر عجور بالحفاظ على اراضي عجور المشاع و عدم بيعها لل (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          اول أحصاء(حصر نفوس) موثق لسكان عجور1878م (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          أراضي عجور المشاع - حصري (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          اسماء من عجور مطلوبون للضريبة 1 (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          ضريبة الانتداب البريطاني "3" (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          عجور - لجنة 18 ( اللجنة القومية لعجور) (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          أراضي عجور الحكر (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          عجور التاريخ و الحضارة-الحلقة الثالثة (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          كيف و متى تحدثين طفلك عن التحرش ؟ (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          قصص اطفال للبنوتات الحلوين (الكاتـب : اميرة عجور - آخر مشاركة : م .نبيل زبن - )           »          علم النفس الاجتماعي (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          ملوك المملكة الاردنية الهاشمية (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          موسوعة صور القدس- زهرة المدائن (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          دليل الجامعات العربية و العالمية (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          روائع الشعر العالمي (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          موسوعة الاصول و القبائل العربية كاملة (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          ضيف اليوم بصراحة (الكاتـب : Big heart - آخر مشاركة : ajoor - )


العودة   منتديات عجور - بيت كل العرب > المنتدى الاسلامي > قسم التاريخ والشخصيات الاسلامية
روابط مفيدة مشاركات اليوم البحث



إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 06-13-2012, 03:07 AM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
الوجيه بن طريِّق
عضو موهوب
إحصائية العضو






 

الوجيه بن طريِّق غير متواجد حالياً

 


Mpr9 21 الحلقة الثالثة عشر - إخترت لك




بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،
الحلقة الثالثة عشر – إخترت لك
( عروة بن الزبير ) رضي الله عنه وارضاه
اختلف المؤرخون في تاريخ ولادته، فقيل إنه ولد في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ورجح ابن كثير في كتابه البداية والنهاية أنه ولد عام 23هـ.
وكان أبوه الزبير رضي الله عنه يرقصه وهو صغير، ويقول له:
أبيض من آل عتيق مبارك من ولد الصديق
ألذه كما ألذ ريقي
كان من فقهاء المدينة السبعة أو العشرة الذين اتخذهم عمر ابن عبد العزيز مستشاريه فيما يعرض له من أمور، وكان لا يصدر إلا عن رأيهم، كان فقيها عالما حافظا ثبتا حجة، عالما بالسير، ثقة، كثير الحديث مأمونا، وهو أول من ألف في السير والمغازي، وكان من أروى الناس للشعر، أخذ عن عدد من الصحابة وسواهم، ونظرا لصلته الخاصة بأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فقد أخذ عنها كل علمها، وكانت من أعلم الصحابة، حتى روى أنه قيل: لقد رأيتني قبل موت عائشة بأربع حجج أو خمس حجج، وأنا أقول: لو ماتت اليوم ما ندمت على حديث عندها إلا وقد وعيته، ولأجل هذه الصلة الوثيقة بعائشة واستفادته منها قال قبيصة بين ذؤيب أحد فقهاء المدينة: كان عروة يغلبنا بدخوله على عائشة، وكانت عائشة أعلم الناس.
الإشادة بعلم عروة
كان علم عروة الزاخر قد لفت انتباه كل من خالطه، والتقى به، وبخاصة من أبناء الأمويين والمروانيين، فقد روي عنه عمر بن عبد العزيز أنه قال: ما أعلم من عروة، وما أعلمه يعلم شيئا أجهله، وهذا عبد الملك بن مروان، وقد كان يجمعه هو عروة الجد في طلب العلم بالمدينة لما كان شابا، فما آلت إليه الخلافة، قصده الناس من هنا ومن هناك، وكان ابن شهاب الزهري في وفد من أهل المدينة قدموا عليه في دمشق،وكان أحدثهم سنا، ولفتت حداثة سن الزهري نظر عبد الملك، فسأله: من أنت؟
فلما انتسب إليه، قال له: لقد كان أبوك وعمك نعاقين في فتنة ابن الزبير، فقال الزهري: يا أمير المؤمنين، إن مثلك إذا عفا لم يعد، وإذا صفح لم يثرب، فأعجب عبد الملك منطق الزهري على حداثة سنه، فقال له: أين نشأت؟ فأجاب الزهري: بالمدينة.
سأل عبد الملك: عند من طبت (يعني العلم).
فأجاب: سعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، وقبيصة ابن ذؤيب ومع أنهم من جلة العلماء، فإن عبد الملك وجه الزهري قائلا: فأين أنت من عروة بن الزبير، فإنه بحر لا تكدره الدلاء.
قال الزهري فلما انصرفت من عنده، لم أبارح عروة بن الزبير حتى مات وكأنما كان عبد الملك يتذكر أيام شبابه، وهم لا زالوا بعد في مقتبل العمر، وقد جلسوا أربعة أو خمسة حسب روايات كتب الأخبار، عبد الملك، وعبد الله بن الزبير، ومصعب بن الزبير، وعروة بن الزبير، وتقول بعض الروايات إن عبد الله بن عمر كان معهم، وقد اجتمعوا في المسجد الحرام، وكان ذلك في عهد معاوية، فقال بعضهم: هلم فلنتمنه، فقال عبد الله بن الزبير منيتي أن أملك الحرمين، وأنال الخلافة، وقال مصعب: منيتي أن أملك العراقين وأجمع بين عقيلتي قريش: سكينة بنت الحسين، وعائشة بنت طلحة، وقال عبد الملك: منيتي أن أملك الأرض كلها، وأخلف معاوية فقال عروة: لست في شيء مما أنتم فيه، منيتي الزهد في الدنيا، والفوز بالجنة في الآخرة، وأن أكون ممن يروي عنه هذا العلم.
وكأنما كانت أبواب السماء مفتوحة فاستجابت لهذه الأمنيات في ساحة الحرم، وكأنما ظل عبد الملك يتذكر ذلك المجلس، كلما طاف به طائف من ذكريات الشباب، وكان يرى كلا منهم إلا عروة كان معلق القلب بالسماء، فلم يتمن شيئا من عرض هذه الدنيا وبهجتها، وإنما تمنى الزهد فيها، والفوز بالجنة، وأن تكون أيامه فيها وقفا على نشر العلم بين الناس، وتفجير ينابيعه في قلوبهم، ولذلك كان عبد الملك يقول: من سره أن ينظر إلي رجل من أهل الجنة فلينظر إلي عروة بن الزبير وليست هذه هي النصيحة الوحيدة التي وجهت إلي الزهري ليستفيد من علم عروة، بل هناك نصيحة أخرى جاءت من مصر كما جاءت الأولى من دمشق، قال الزهري: قدمت مصر على عبد العزيز بن مروان، وأنا أحدث عن سعيد بن المسيب، فقال لي إبراهيم بن عبد الله بن قارظ: ما أسمعك تحدث إلا عن ابن المسيب؟ فقلت: أجل، فقال: لقد تركت رجلين من قومك، لا أعلم أحدا أكثر حديثا منهما عروة بن الزبير، وأبو سلمة بن عبد الرحمن.
قال الزهري: فلما رجعت إلي المدينة، وجدت عروة بحرا لا تكدره الدلاء.
وقد أثر عن الزهري: بعد ذلك وهو أعلم التابعين، قوله: كنت أطلب العلم من ثلاثة: سعيد بن المسيب، وكان أفقه الناس، وعروة بن الزبير، وكان بحرا لا تكدره الدلاء، وعبيد الله ابن عبد الله بن عتبة، وكنت لا أشاء أن أقع منه على علم ما لا أجد عند غيره إلا وقعت، وكذلك قوله: "أدركت من بحور وأبا سلمة بن عبد الرحمن، وسعيد بن المسيب، فأما سلمة بن عبد الرحمن فكان يمارى ابن عباس فجرب بذلك علما كثيرا".
وكان أبو بكر بن عبد الرحمن يرى عروة بن الزبير، وعمر ابن عبد العزيز من الذين اكتملت فيهم الصفات التي تؤهلهم للعلم، فيقول: "إنما هذا العلم لواحد من ثلاثة: لذي نسب يزين به نسبه، أو لذي دين يزين به دينه، أو مختلط بسلطان ينتجعه به، ولا أعلم أحدا أجمع لهذه الخلال من عروة بن الزبير، وعمر بن عبد العزيز، كلاهما ذو حسب، ودين، ومن السلطان بمكان" ...
وليس غريبا على عروة أن يبلغ هذه المنزلة من العلم، فقد كان جده في تحصيل العلم لا يعرف الكلل، فقد روي عنه أنه كان يقول: لقد كان يبلغني عن الرجل من المهاجرين الحديث، فآتيه، فأجده قد قال: ـ استراح وقت القيلولة ـ فأجلس على بابه، فأسأله عنه إذا خرج.
وكان عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ـ وهو من أقرانه ـ يأخذ عنه الحديث، ولا يخفي سروره بما يأخذ عنه، فقد أتى ذات ليلة إلي عروة، فجل عروة يحدثه، وجعل عبيد الله يضحك، فظن عروة إنما ذلك من عبيد الله استهزاء، فقال له: ما يضحكك؟

فقال: إنك تحدثني عن عائشة، وتحملني على الملأ، وإن غيرك يحيلنا على الفاليس.
اهتمامه بنشر العلم
كان عروة حريصا على بث العلم ونشره حتى إذا كان يستحث غيره على سؤاله والاستزادة من المعرفة مما عنده فقد روي أنه كان يتألف الناس على حديثه، وكان يستحث أولاده على سؤاله، فيقول: يا بني، سلوني، فلقد تركت حتى كدت أن أنسى، وإني لأسال عن الحديث فيفتح حديث يومي، وكان يقول لأولاده: إنا كنا أصاغر قوم، ثم نحن اليوم كبار، وإنكم اليوم أصاغر، وستكونون كبارا، فتعلموا العلم تسودوا به، ويحتاج إليكم، فوالله ما سألني الناس حتى نسيت.
وكانت له كتب فقه سجل فيها ما عنده من المعرفة والعلم، ثم بدأ له، فمحاها اكتفاء بكتاب الله، ثم لما تقدمت به السن تمنى أن هذه الكتب كانت قد بقيت، وفي ذلك يروي عنه أبو الزناد قوله: "فوالله لوددت أن كتبي عندي، وأن كتاب الله قد استمرت مريرته (قوى واستحكم)، وهناك رواية عن ابنه هشام تقول: إن أباه كان حرق كتبا فيها فقه، ثم قال: لوددت أني كنت فديتها بأهلي ومالي".
ولهذه الثقة فيما عند عروة من علم كان الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذون عنه، فقد روي عن عبد الرحمن بن عوف قال: لقد رأيت الأكابر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وإنهم ليسألونه عن قصة ذكرها.
مظهره
كان عروة حسن الهيئة، أنيق المظهر، وسيم الطلعة، وكانت هذه سمة العلية من أبناء قريش، ومن مظهر هذه الوسامة أنه كان لا يحف شاربه، وإنما يأخذ منه مأخذا حسنا، وكذلك كان ابن المسيب، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وكان شديد العناية بنظافته، فكان يغتسل كل يوم، ويلبس الثياب المعصفرة.ص77.
وقال ابنه هشام: إنه كان يعصفر له الملحفة بالدينار، وكان آخر ثوب لبسه ثوب عصفور له بدينار، وكان يلبس كساء خز، ويلبس الطيلسان المزرر بالديباج فيه، وهو محرم، ولا يزره عليه، وكان يصلي في قميص وملحفة مشتملا بها على القميص، وكان يلبس في الحر قباء سندس مبطنا بحرير، وكان يخضب قريبا من السواد.
وهذه كلها مظاهر تدل على أنه كان في الحال من النعمة والثراء.
علمه بالسير والمغازى
كان عروة واسع المعرفة، محيطا بالسير والمغازى،حتى إنه أول من ألف في هذا الفن، إلا أن ما كتبه في فن المغازى والسير لم يصل إلينا. ويبدو أنه من بين الكتب التي أحرقها، ثم ندم عليها فيما بعد، وكان قادة عصره يعرفون عنه إلمامه بالسير والمغازى، فكانوا يبعثون إليه من وقت لآخر يسألونه عن أمر من الأمور التي تعرض لهم، ويريدون أن يعرفوا وجه الحق فيها، وكان عبد الملك بن مروان يكتب لعروة من وقت لآخر يستوضحه عن الأمر من السيرة، وعلى الرغم من ضياع كتب المغازى بين ما ضاع أو أحرق من كتبه، فإن قراءة كتب التاريخ بإمعان يمكن للباحث من خلال الإمعان فيها أن يستخلص رواية كاملة للسير والمغازى جاءت عن طريق عروة، ولعل الله يهبنا القوة، ويفسح لنا في الأجل حتى نحقق هذا، ونخرج السيرة للناس من رواية عروة بن الزبير، وهذه نماذج من السيرة أجاب بها عروة عبد الملك بن مروان لما بعث يسأله عنها:
من ذلك أن عبد الملك لما بعث إليه يسأله عن أول أمر الإسلام كتب إليه: "أما بعد، فإنه ـ يعني النبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ لما دعا قومه لما بعثه الله من الهدى والنور الذي أنزله عليه، لم يبعدوا منه أول ما دعاهم، وكادوا يسمعون له، حتى ذكر طواغيتهم وقدم ناس من الطائف من قريش لهم أموال أنكروا ذلك عليه، واشتدوا عليه، وكرهوا ما قال لهم، وأغروا به من أطاعهم، فانصفق عنه عامة الناس، فتركوه إلا من حفظه الله منهم، وهم قليل، فمكث بذلك ما قدر الله أن يمكث، ثم ائتمرت رؤوسهم بأن يفتنوا من تبعه عن دين الله من أبنائهم وإخوانهم وقبائلهم، فكانت فتنة شديدة الزلزال على من اتبع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أهل الإسلام، فافتتن من افتتن، وعصم الله منهم من شاء، فلما فعل ذلك بالمسلمين أمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يخرجوا إلي أرض الحبشة ـ وكان بالحبشة ملك صالح يقال له النجاشي، لا يظلم أحد بأرضه، وكان يثني عليه مع ذلك صلاح، وكانت أرض الحبشة متجرا لقريش يتجرون فيها، يجدون فيها رفاغا ورفاهية من الرزق، وأمنا ومتجرا حسنا، فأمرهم بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فذهب إليها عامتهم لما قهروا بمكة، وخاف عليهم الفتن، ومكث هو فلم يبرح، فمكث بذلك سنوات يشتدون على من أسلم منهم، ثم إنه فشا الإسلام فيها، ودخل فيه رجال من أشرافهم".
وفيما يلي نموذج ثان ردا على كتاب عبد الملك إلي عروة يسأله عن وفاة السيدة خديجة رضي الله عنها قال: "إنك كتبت إلي في خديجة بنت خويلد تسألني متى توفيت؟ وإنها توفيت قبل مخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من مكة بثلاث سنين أو قريبا من ذلك، ونكح عائشة متوفى خديجة، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رأى عائشة مرتين، يقال له هذه امرأتك، وعائشة يومئذ ابنة ست سنين، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنى بعائشة بعدما قدم المدينة، وهي يوم بنى بها ابنة تسع سنين".
أما النموذج الثالث فإنه كان أيضا ردا على تساؤل عبد الملك لما كتب إلي عروة يسأله عن أمر خالد بن الوليد يوم الفتح لما فأجابه قائلا: "أما بعد فإنك كتبت إلي تسألني عن خالد بن الوليد؛ هل أغار يوم الفتح؟ وبأمر من أغار؟ وإنه كان من شأن خالد يوم الفتح أنه كان مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلما ركب النبي بطن مر عامدا إلي مكة، وقد كانت قريش بعثوا أبا سفيان وحكيم بن حزام يتلقيان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهم حين بعثوهما لا يدرون أين يتوجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إليهم أو إلي الطائف؟ وذاك أيام الفتح، واستتبع أبا سفيان، وحكيم بن حزام بديل بن ورقاء، وأحب أن يصحبهما ولم يكن غير أبي سفيان وحكيم بن حزام وبديل، وقالوا لهم حين بعثوهم إلي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ لا نؤتين من ورائكم، فإنا لا ندري من يريد محمد؛ إيانا يريد، أو هوازن يريد، أو ثقيفا؟
وكان بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين قريش صلح الحديبية، وعهد ومدة، فكانت بنو بكر في ذلك الصلح مع قريش، فاقتتلت طائفة من بني كعب وطائفة من بني بكر، وكان بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين قريش في ذلك الصلح الذي اصطلحوا عليه: "لا إغلال ولا إسلال" فأعانت قريش بني بكر بالسلاح، فاتهمت بنو كعب قريشا، فمنها غزا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أهل مكة، وفي غزوته تلك لقي أبا سفيان وحكيما وبديلا بمر الظهران فبايعوه، فلما بايعوه بعثهم بين يديه إلي قريش يدعوهم إلي الإسلام، فأخبرت أنه قال: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، وهي بأعلى مكة، ومن دخل دار حكيم ـ وهي بأسفل مكة ـ فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه وكف يده فهو آمن.
وإنه لما خرج أبو سفيان وحكيم من عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم عامدين إلي مكة بعث في إثرهما الزبير وأعطاه رايته، وأمره على خيل المهاجرين والأنصار، وأمره أن يغرز رايته بأعلى مكة بالحجون، وقال للزبير: لا تبرح حيث أمرتك أن تغرز رايتي حتى آتيك، ومن ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وأمر خالد بن الوليد فيمن كان أسلم من قضاعة وبني سليم، وأناس إنما أسلموا قبيل ذلك أن يدخلوا من أسف مكة، وبها بنو بكر قد استنفرتهم قريش أن يكونوا بأسفل مكة، فدخل عليهم خالد بن الوليد من أسفل مكة وحدثت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لخالد والزبير حتى بعثهما: لا تقاتلا إلا من قاتلكما، فلما قدم خالد على بني بكر والأحابيش بأسفل مكة، قاتلهم فهزمهم الله عز وجل، لوم يكن بمكة قتال غير ذلك، غير أن كرز بن جابر أحد بني محارب بن فهر، وابن الأشعر ـ رجلا من بني كعب كانا في خيل الزبير، فسلكا كداء فقتلا، ولم يكن بأعلى مكة من قبل الزبير قتال، ومن ثم قدم النبي صلى الله عليه وسلم، وقام الناس إليه يبايعونه، فأسلم أهل مكة، وأقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندهم نصف شهر، لم يزد على ذلك، حتى جاءت هوازن وثقيف فنزلوا بحنين".
عبادته
كان عروة رجلا صالحا، وقد وسع عليه في الرزق والجاه إلا أن ذلك لم يصرفه عما يليق بأهل التقوى والصلاح من الإقبال على العبادة والنسك تقربا إلي الله تعالى، واستزادة من فضله، وكانت هذه سجية فيه منذ الحداثة، فقد مر بنا لما اجتمع مع نظرائه، وأخذ كل منهم يتمنى لنفسه، فكانت أمنيته نشر العلم في الدنيا والفوز بالمغفرة في الآخرة، ورجل يفكر بهذه الطريقة لابد أن يكون عامر الصلة بالله، موصول القلب بربه، مراقبا له في كل أموره.
وقد روى ابنه هشام أنه كان يسرد الصوم، وكان يصوم الدهر كله إلا يومي الفطر والنحر، وأنه مات وهو صائم، حتى في السفر كان يكون معه الرفقة فيصومون ويفطرون عملا بالرخصة، فلا يأمرهم بالصيام، ولا يفطر هو بل يستمر على صيامه عملا بقوله تعالى:
{وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ}(البقرة،الآية:184).
وكان دائم التلاوة لكتاب الله تعالى والعكوف عليه، فكان يقرأ ربع القرآن كل يوم نظرا في المصحف، فإذا جاء الليل، قام الليل ثانيا للقرآن وقد حدثوا أنه لم يخلف هذه العادة مطلقا إلا ليلة قطعت رجله، ثم استأنف التلاوة في اليوم التالي كعادته التي جرى عليها طوال حياته.
صفاته وأخلاقه
كان عروة رجلا يحب معالي الأمور، ويأخذ نفسه بها، ويربي عليها أبناءه، وقد مر بنا وصيته لأولاده في طلب العلم، وكان يقول: "إني لأعشق الشرف كما أعشق الجمال"، وكان يقول لأولاده: "يا بني لا يهدين أحدكم إلي ربه عز وجل ما يستحي أن يهديه إلي كريمه، فإن الله عز وجل أكرم الكرماء، وأحق من اختير إليه"، ويقول لهم: "يا بني تعلموا، فإنكم إن تكونوا صغراء قوم عسى أن تكونوا كبراءهم، واسوأتاه، ماذا أقبح من شيخ جاهل".
وكان يرى أن تصرفات الشخص تعبير حقيقي عن طبيعته الكامنة، وسلوكه، وأن الإنسان الذي يبدر منه العمل الطيب يدل ذلك على طبيعة خيرة في حناياه، تدعوه إلي أن يفعل مثلها، وأن الذي يفعل السوء يومئ فعله إلي ما تنطوي عليه نفسه من رغبة في عمل الشر؛ حتى ولو ظن الناس به غير ذلك؛ ولذلك كان من نصيحته لأولاده قوله: "إذا رأيتم خلة شر رائعة من رجل فاحذروه، وإن كان عند الناس رجل صدق، فإن لها عنده أخوات، وإذا رأيتم خلة خير رائعة من رجل فلا تقطعوا عنه إياسكم، وإن كان عند الناس رجل سوء، فإن لها عنده أخوات".
وقد كرر هذا المعنى في صورة أخرى حيث قال: "إذا رأيت الرجل يعمل الحسنة فاعلم أن لها عنده أخوات؛ فإن الحسنة تدل على أخواتها، وإن السيئة تدل على أخواتها".
وكان عروة رجلا شديد الحياء، يخشى أن يحرج أصدقاءه، وأقاربه؛ حتى ولو أدى ذلك إلي تنازله عن حقوق خاصة به، وفي مسلكه مع طلحة بن عبيد الله أوضح دليل على ذلك، فقد كان طلحة بن عبيد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر يمت إليه بصلة القرابة من جهة أمه، وكانت أم طلحة عائشة بنت طلحة وكانت قد تزوجت مصعب بن الزبير، وكان عروة قد أودع عند طلحة مالا من مال بني مصعب بن الزبير لما خرج إلي الشام، وبلغ عروة أن طلحة يبني ويبتاع الرقيق والإبل والغنم، وربما صاحب ذلك إشاعة تقول: إن طلحة قد بدد المال الذي أودعه عنده عروة، فلما قدم عروة، وسمع ما يتناقله الناس كره أن يكشفه، وأن يسأله عن المال، فسكت عنه، وجعل يلقاه، ويستحي أن يتحدث معه فيه، فلما طال به العهد، ولم يسأل طلحة الأموال، قال له طلحة: ألا تريد مالك؟ قال: بلى، وكأنما كان ينتظر من طلحة ذلك، ليكفي نفسه مؤونة الحرج.
قال له طلحة: فأرسل فخذه، سأله عروة: متى؟
فأجاب: متى شئت، فبعث معه عروة رسولا؛ فإذا هو قد هدم عليه بيتا، واستخرج المال، وأتى به إلي عروة.
وسر عروة أن يرى طلحة قد حفظ الأمانة، وكذب إشاعات الناس، وأدرك أن ذلك لدينه المتين، وحسبه العالي، فتمثل قائلا:
فما استخبأت في جل خبيئا ذوو الأحساب اكرم مأثرات الدين أو حسب عتيق وأصبر عند نائبة الحقوق
سخاؤه
كان عروة رجلا سخيا، يرى أن الله قد أفاء عليه العلم والشرف والجاه والمال، فكان يحب أن يشركه الناس فيما أفاء الله عليه، وقد رأينا رغبته في نشر العلم، أما سخاؤه بالمال فكان يحب أن يجعله للعامة من الناس، وكان له حائط (حديقة) بها نخل، فإذا حان وقت جناها، وجاء ميعاد الرطب تلم فيها جدارها ثلما؛ ليعبر الناس منه فيأخذوا ما يشتهون من رطبها، يأكلون ويحملون، وكان ينزل حوله ناس من البدو يدخلون فيأكلون ويحملون أيضا، ويظل الجدار مثلوما كذلك طيلة مدة الرطب، فإذا مضى أوانه أصلح الجدار ورممه، وكان كلما دخل حديقته تلك ردد قوله تعالى:
{وَلَوْلاۤ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَآءَ ٱللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِٱللَّهِ} (الكهف،الآية:39) .
وقد عبر عن مسلكه هذا في الحياة خير تعبير بما أثر عنه من قوله: "مكتوب في الحكمة: لتكن كلمتك طيبة، وليكن وجهك بسطا، تكن أحب إلي الناس ممن يعطيهم العطاء".
وقد كان عروة بكلمته هذه يعبر أصدق تعبير عن الآداب والأخلاق التي أوصى بها الإسلام في كتاب الله تعالى، وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، واقرأ إن شئت قوله تعالى:
{وَهُدُوۤاْ إِلَى ٱلطَّيِّبِ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَهُدُوۤاْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْحَمِيدِ} (الحج ،الآية:24).
وقوله:
{وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} (آل عمران ،الآية :159) .
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا لم تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم"
صبره وتحمله
لولا أن كتب التاريخ والأخبار أجمعت على ما روى عن صبر عروة وتحمله لما وقعت الأكلة في رجله، واحتيج إلي قطعها لما استطاع المرء أن يصدق ما روى، ولقد كانت قصة عجبا حقا تقول: إن عروة في إحدى سفراته إلي دمشق، بعد أن دان الأمر لبني أمية، وزال ملك أخيه عبد الملك بمكة، أصابت الأكلة رجله في الطريق، وأخذت الإصابة تزداد يوما بعد يوم حتى وصل إلي دمشق، وعرف بالأمر الوليد بن عبد الملك، فاستدعى له الأطباء، فأجمع رأيهم على قطعها خوفا من سريان الداء في الساق كلها، ثم الجسد بأكمله، وأخذ الوليد يقنعه بقطعها حماية لبقية جسمه من التلف، فلما استجاب لرأي الأطباء، وأخذوا يعدون العدة لنشرها، عرضوا عليه أن يسقوه مخدرا لئلا يحس بألم القطع فرفض ذلك قائلا: ما ظننت أن أحدا يؤمن بالله يشرب شيئا يغيب عقله، حتى لا يعرف ربه عز وجل، ولكن إذا كنتم ولابد فاعلين، فافعلوا ذلك، وأنا في الصلاة، فإني لا أحس بذلك ولا أشعر به، فنشروا رجله من فوق الأكلة من المكان الحي احتياطا أنه لا يبقى منها شيء، وهو قائم يصلي، وكان صائما، فما تضرر ولا اختلج، وهناك رواية تقول: إنهم قالوا نسقيك الخمر حتى لا تجد لها ألما، فقال: لا استعين بحرام الله على ما أرجو من عافيته، قالوا: فنسقيك المرقد، قال: ما أحب أن أسلب عضو من أعضائي، وأنا لا أجد ألم ذلك، فاحتسبه، ودخل عليه قوم فأنكرهم، فسأل: من هؤلاء؟ قالوا: يمسكونك، فإن الألم ربما عزب معه الصبر.
قال: أرجو أن أكفيكم ذلك من نفسي، فقطعت وهو يهلل ويكبر، ثم أغلي الزيت في مغارف الحديد، فحسم به الجرح مكان القطع حتى لا ينزف، فغشي عليه من شدة، الألم، ثم أفاق والعرق يتصبب على وجهه.
ولما رأى القدم بأيديهم، دعا بها، فقلبها في يده، ثم قال: أما والذي حملني عليك، إنه ليعلم أني ما مشيت بك إلي حرام، وكأنما كان هذا السفر يحمل له كثيرا من الآلام والأحزان، ففي نفس الليلة التي قطعت فيها رجله كان له ابن اسمه محمد قد صحبه معه في سفره، وكان فيما يقال أحب بنيه إليه، فدخل دار الدواب فرفسته فرس فمات، فدخلوا عليه يعزونه فيما أصابه، وكان الوليد بن عبد الملك أول المعزين له، فكان جوابه تسليما مطلقا لأمر الله، ورضى بقضائه وقدره، وكان مما قال تلك الكلمات التي أثرت عنه، وهي: "اللهم لك الحمد، كانوا سبعة فأخذت واحدا وأبقيت ستة، وكان لي أطراف أربعة، فأخذت واحدا وأبقيت ثلاثة، فلئن كنت قد أخذت فلقد أعطى، ولئن كنت قد ابتليت فقد عافيت".
ولما قضى حاجته من دمشق رجع إلي المدينة، ولم يجر على لسانه شكوى، أو ألم مما حل به في نفسه وفي ولده في ذلك السفر، حتى وصل إلي وادي القرى في طريق عودته إلي المدينة، وهو المكان الذي ظهر فيه الداء في رجله سمعه يقول: (لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا).
ولما وصل إلي المدينة أتاه أهلها يسلمون عليه ويعزونه في رجله وولده، وكان مما عزاه به عيسى بن طلحة بن عبيد الله قوله: "والله ما كنا نعدك للصراع، ولقد أبقى الله لنا أكثرك، أبقى لنا سمعك، وبصرك، ولسانك وعقلك ويديك وإحدى رجليك" ..
فقال له عروة: "والله يا عيسى، ما عزاني أحد بمثل ما عزيتني به وقد جاءت هذه التعزية في صيغة أخرى في الطبعة التي حققها إحسان عباس هي: "والله ما بك حاجة إلي المشي، ولا أرب في السعي، وقد تقدمك عضو من أعضائك، وابن من أبنائك إلي الجنة، والكل تبع للبعض، إن شاء الله تعالى، وقد أبقى الله لا منك ما كنا إليه فقراء، وعنه غير أغنياء من علمك ورأيك. ونفعك الله وإيانا به، والله ولي ثوابك والضمين بحسابك ..."
وترامى إلي مسمع عروة أن بعض الناس يقول: إنما أصابه هذا بذنب عظيم أحدثه فلما سمع ذلك أنشد قول معن بن أوس:
لعمرك ما أهويت كفى لريبة ولا قادني سمعي ولا بصري لها ولست بماش ما حييت لمنكر ولا مؤثر نفسي على ذي قرابة وأعلم أني لم تصبني مصيبة ولا حملتني نحو فاحشة رجلي ولا دلني رأيي عليها ولا عقلي من الأمر لا يمشي إلي مثله مثلي وأوثر ضيفي ما أقام على أهلي من الدهر إلا قد أصابت فتى قبلي
ويبدو أن نزول هذه الأحداث بعروة وهو في دمشق في ضيافة الوليد قد أثر في نفس الوليد، وتأثر أيما أثر على ما نزل بصديق أبيه، وكان عروة لما أصيبت رجله شيخا في سن الخامسة والستين، ويقال إنه عاش بعد ذلك ثماني سنوات، وحدث أن قدم في نفس التي أصيب فيها عروة وابنه قومن من بني عبس وفدا على الوليد، وكان فيهم رجل ضرير فسأله الوليد عن عينيه.
فقال: يا أمير المؤمنين، بت ليلة في بطن واد، ولا أعلم عبسيا يزيد ماله على مالي، فطرقنا سيل، فذهب بما كان لي من أهل وولد ومال غير بعير وصبي مولود، وكان البعير صعبا، فند، فوضعت الصبي، واتبعت البعير، فلم أجاوز إلا قليلا حتى سمعت صيحة ابني، ورأسه في فم الذئب، وهو يأكله، فلحقت البعير لأحبسه، فنفحني برجله على وجهي، فحطمه وذهب بعيني، فأصبحت لا مال لي، ولا أهل، ولا ولد، ولا بصر.
فقال الوليد لما سمع قصته: "انطلقوا به إلي عروة ليعلم أن في الناس من هو أعظم منه بلاء.."
وكان من عادة عروة أن يجلس كل ليلة بعد صلاة العشاء الآخرة، وهو وعلي زين العابدين في آخر المسجد يتحدثان وجرى بينهما الحديث ذات ليلة عما يقع من بني أمية من الجور، والمقام معهم، وهما لا يستطيعان تغيير ذلك، ثم ذكرا ما يخافان من عقوبة الله لهما لسكوتهما على هذا الجور، فقال عروة لعلي: يا علي، إن من اعتزل أهل الجور، والله يعلم منه سخطه لأعمالهم، فإن كان منهم على ميل، ثم أصابتهم عقوبة الله رجي له أن يسلم مما أصابهم.
وقد سكن عروة بالعقيق وبني قصرا هناك، فعوتب في ذلك وقيل له أتهجر مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: "إني رأيت مساجدهم لاهية وأسواقهم لاغية والفاحشة في فجاجهم عالية، فكان فيما هناك عما هم فيه عافية" وواضح من قوله، أنه يريد أن يعتزل الناس.
روايته للشعر
بعث معاوية إلي عروة مقدمه المدينة فاستنشده الشعر ثم قال له أتروي قول جدتك صفية بنت عبد المطلب:
خالجت آباد الدهور عليهم فلو كان زبر مشركا لعذرته وأسماء لم تشعر بذلك أيم ولكنه ـ قد يزعم الناس ـ مسلم
قال نعم وأروي قولها:
ألا أبلغ بني عمي رسولا وسائل في جموع بني علي بأنا لا نقر الضيم فينا متى نقرع بمروتكم نسؤكم ويظعن أهل مكة وهي سكن مجازيل العطاء إذا وهبنا ونحن الغافرون إذا قدرنا وأنا والسوابح يوم جمع ففيم الكيد فينا والإمار إذا كثر التناشد والفخار ونحن لمن توسمنا نضار وتظعن من أماثلكم ديار هم الأخيار إن ذكر الخيار وأيسار إذا حب الخيار وفينا عند عدوتنا انتصار بأيديها وقد سطع الغبار
وإنما قالت ذلك في قتل أبي أزيهر تعير أبا سفيان بن حرب، وكان صهره قتله هشام بن الوليد، قال معاوية حسبك يا ابن أخي هذه بتلك وقد روى لعروة بعض أبيات من الشعر ومما قاله لما بني قصر العقيق:
بنيناه فأحسنا بناه تراهم ينظرون إليه شزرا فساء الكاشحين وكان غيظا يراه كل مختلف وسار بحمد الله خير العقيق يلوح لهم على وضح الطريق لأعدائي وسر به صديقي ومعتمر إلي البيت العتيق
وبئر عروة مشهور بالعقيق طيبة الماء، وفيها يقول أحد الشعراء:
لو يعلم الشيخ غدوى بالسحر في فتية مثل الدنانير غرر بين أبي بكر وزيد وعمر قد شمخ المجد هناك وأزمخر يسقون من جاء ولا يؤذي بشر قصدا إلي البئر التي كان خصر وقاهم الله النفاق والضجر ثم الحواري لهم جد أغر
فهم عليها بالعشي والبكر لزاد في الشكر وإن كان شكر
عروة وخالد بن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد
كان عبد الرحمن بن خالد بن الوليد والي حمص، منذ أيام عثمان، وكان قد عظم شأنه بالشام، ومال إليها أهلها، لما كان عندهم من آثار أبيه خالد، ولبأسه وما أوقعه بالروم، وما أظهره من شجاعة وجلد، فأحبه الناس، وخشي معاوية على نفسه منه، وساورته من أن يرى رجلا مثل عبد الرحمن، وقد تعلقت به القلوب بهذه الصورة، فطلب من ابن أثال أن يعمل الحيلة في قتله والتخلص منه، وضمن له في نظير ذلك أن يضع عنه خراجه ما عاش، وأن يوليه جباية خراج حمص.
وبيت ابن أثال الأمر في نفسه، وأخذ يتحين الفرصة المواتية ليحقق لمعاوية ما أراده، وكان ابن أثال رجلا غزواته المظفرة ببلاد الروم، وكان المفروض أن تنصب له حفلات التكريم والإجلال لخدماته التي أداها للدولة، ولكن الخوف على السلطان أفسد كل الأمور، وجعل النجاح سببا للخوف، ومبررا للموت بدلا من الحياة، ودس ابن أثال شربة مسمومة إلي عبد الرحمن مع بعض مماليكه، فشربها، ومات بحمص، ووفي معاوية لابن أثال بما ضمنه له، فوضع عنه خراجه وولاه خراج حمص.
ولم يعد ما حدث سرا، فقد تحدث به الناس، وتناقلته الأخبار، في جنبات الدولة المختلفة، وأصبح حديث المجالس، وحدث أن جلس خالد بن عبد الرحمن إلي عروة بن الزبير، ويبدو أنه لم يعرفه، فسأله: من أنت؟
فأجاب: أنا خالد بن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد.
فقال عروة: ما فعل ابن أثال؟
وكأنما أحس خالد أن عروة يعرض به، وبعدم انتصاره لدم أبيه، فقام من عنده، وخرج من فوره متوجها إلي حمص، وهناك أخذ يترصد لابن أثال لتمكنه منه الفرصة، حتى رآه يوما راكبا، فاعترضه خالد، فضربه بسيفه فقتله، ولما رجع الأمر إلي معاوية حبسه أياما ثم أغرمه دية ابن أثال، ورجع خالد إلي المدينة بعدما أخذ بثأر أبيه، ثم أتى عروة، فسلم عليه، فقال له عروة: ما فعل ابن أثال؟
فأجاب عبد الرحمن: قد كفيتك ابن أثال، ولكن ما فعل ابن جرموز؟ فسكت عروة ولم يجب، وكأنما يعرض بأولاد الزبير أن لم يأخذوا بثأر أبيهم، حينما قتله ابن جرموز.
وكان خالد حين قتل ابن أثال لم يتوار، وإنما أنشد:
أنا ابن سيف الله فأعرفوني ولم يبق إلا حسبي وديني
وصار صل به يميني
وروي صاحب نسب قريش قال: لما قتل الزبير يوم الجمل كان موقف بنيه في غاية من الحرج والضيق، فلم يدعهم الناس وفقد أبيهم، بل أخذوا يلقونهم بما يكرهون، وقد ضايق ذلك أشد الضيق بني الزبير، وفي ذلك يقول عروة: لما قتل الزبير يوم الجمل جعل الناس يلقوننا بما نكره، ونسمع منهم الأذى، فقلت لأخي المنذر: انطلق بنا إلي حكيم بن حزام حتى نسأله عن مثالب قريش، فنلقي من يشتمنا بما نعرف.
فانطلقنا حتى دخلنا عليه داره، فذكرنا ذلك له، فقال لغلام له: أغلق باب الدار، ثم قام إلي سوط راحلته، فجعل يضربنا وتلوذ منه، حتى قضى بعض ما يريد. ثم قال: أعندي تلتمسان معايب قريش، ايتدعا في قومكما يكف عنكما ما تكرهان.
يقول عروة: فانتفعنا بأدبه.
في غمرة الأحداث:
نشأ عروة كما نرى من سير أحداث حياته في المدينة المنورة، وأخذ عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبخاصة خالته عائشة رضي الله عنها، وكان مثل العلية من أبناء قريش، وقد مر بنا حديثه مع عبد الملك وأخويه عبد الله ومصعب ابني الزبير لما جلسوا يتمنون، ولما وقعت أحداث فتنة ذي النورين عثمان رضي الله عنه كانت الأمور تمضي به وبأمثاله ممن هم في سنه هينة سهلة حتى قتل عثمان، وولي على الخلافة، وثارت الفتنة وكان لعائشة دور كبير في المطالبة بدم عثمان، وكان الزبير على رأس المعارضين لعلي هو وطلحة بحجة الأخذ بالثأر من قتلة عثمان، وفي موقعة الجمل رج عروة لصغر سنه، وهناك رواية تقول:إن عبد الله أخاه هو الذي طلب إلي أبيه أن يعيده، لما رآه أعاد أخوة له ليسوا أشقاء، ولكن الذي تواترت عليه كتب السير فيما عدا البلاذري في أنساب الأشراف أن عروة وأبا بكر بن عبد الرحمن ممن ردا يوم الجمل لصغر سنهما، إذ كان كل منهما في سن الثالثة عشرة، وهذا هو أول حدث يوشك أن يدخل عروة فيما كان يدور من الصراع بين المسلمين في ذلك الوقت، ولكنه نجا منه بفضل صغر سنه.
ولما صفا الأمر لبني أمية بعد عام الجماعة هدأت الأمور أيام معاوية، وانصرف كل إلي شأنه، وكان ذلك حقا بسبب ما أبداه الحسن رضي الله عنه من إيثار مصلحة الأمة وتجنيبها الفرقة، والحرص على حقن دماء المسلمين، إلا أن الصراع الذي هدأ، والوحدة التي عاش الناس في ظلها بدأ لابنه يزيد من بعده، فأخذت سحب الفرقة تغيم سماء المسلمين، وبدأت النزعات الكامنة تظهر، وجرت الأحداث دامية محزنة انتهت بمقتل الحسين رضي الله عنه في العراق، بعدما آل الأمر إلي يزيد، ودعا ابن الزبير إلي نفسه في مكة، وانتشر سلطانه مدة على العراق ومصر، وبدا على الساحة السياسية ثلاث جماعات تتصارع مما مزق وحدة المسلمين كل ممزق: الزبيريون في الحجاز، والأمويون في الشام، والمغامرون الذين تستروا تحت راية الأخذ بثأر الحسين رضي الله عنه في العراق بزعامة المختار بن أبي عبيد الثقفي، يضاف إلي هؤلاء جمعيا الخوارج الذين لا يرضون عن واحدة من هذه الجماعات، ويرون حربهم جميعا وخروجهم عن الإسلام، وبدأت هذه الجماعات المتحاربة تأكل بعضها واحدة تلو الأخرى، وانفرط عقد المسلمين، وسالت الدماء بينهم حتى لم يعد هناك من قوى تواجه بعضها إلا الزبيريين في الحجاز والعراق بعد مقتل المختار، والأمويين أو بني مروان من بعدهم في الشام، ولم يلبث بنو مروان أن انتزعوا العراق من الزبيريين، وقتل مصعب ابن الزبير، وتحصن أخوه عبد الله بمكة، في هذا الجو المضطرب عاش عروة، ولم يكن يستطيع أن يكون بمنأى عنه، حتى لو أراد؛ لأن أخاه عبد الله كان يدعو لنفسه، وكان عروة معه بمكة لما اشتد به الحصار، وأخذ عدد ممن حوله يزينون له أن يستسلم؛ ولكنه أبى، وقد جرى هذا الحديث مرة وعروة حاضر، وكان عروة يرى أن يتنازل أخوه حقنا للدماء، ويرى فيما فعل الحسن مع معاوية قدوة له، وقد أورد صاحب العقد وصفا لهذا المجلس الأخير لابن الزبير، وما جرى فيه من حوار فقال لما كانت الليلة التي قتل في صبيحتها ابن الزبير، جمع من كان معه من القرشيين، فقال: ما ترون؟
فقال رجل من بني مخزوم من آل بني ربيعة: والله لقد قاتلنا معك حتى لا نجد مقيلا، ولئن صبرنا معك ما نزيد على أن نموت، وإنما هي إحدى خصلتين، إما أن تأذن لنا فنأخذ الأمان لأنفسنا وإما أن تأذن لنا فنخرج.
فقال ابن الزبير: لقد كنت عاهدت الله أن لا يبايعني أحد فأقيله بيعته إلا ابن صفوان. فقال له ابن صفوان: أما أنا فإني أقاتل معك حتى أموت بموتك، وإنها لتأخذني الحفيظة أن أسلمك في مثل هذه الحالة.
قال له رجل آخر: اكتب إلي عبد الملك بن مروان.
فقال له: كيف اكتب: من عبد الله أمير المؤمنين إلي عبد الملك بن مروان، فوالله لا يقبل هذا أبدا، أم اكتب: لعبد الملك بن مروان أمير المؤمنين من عبد الله بن الزبير فوالله لأن تقع الخضراء على الغبراء أحب إلي من ذلك.
فقال عروة بن الزبير وهو جالس معه على السرير ـ: يا أمير المؤمنين قد جعل الله لك أسوة. قال: من هو؟
قال:حسن بن علي خلع نفسه، وبايع معاوية.
فرفع ابن الزبير رجله فضرب بها عروة حتى ألقاه عن السرير، وقال: يا عروة، قلبي إذا مثل قلبك، والله لو قبلت ما يقولون ما عشت إلا قليلا، وقد أخذت الدنية، وإن ضربة بسيف في عز خير من لطمة من ذل".
ويبدو أن عروة كان قد شارك في القتال، فقد روي له البلاذري بيتا من الشعر أنشده وهو يقاتل:
أبي الحواريون إلا مجدا من يقتل اليوم يلاق رشدا
الرحلة إلي عبد الملك
لم يكد الحجاج يدخل مكة بعد مقتل عبد الله بن الزبير حتى امتطى عروة ناقة نجيبة، ومعه مال خرج به إلي المدينة، فأودعه هناك، ثم واصل السير إلي عبد الملك بدمشق حتى وصلها قبل رسل الحجاج، فقال للحاجب: استأذن لي على أمير المؤمنين، فسأله: من أنت؟
فقال: قل له أبو عبد الله، ولما أخبر الحاجب عبد الملك قائلا: إن رجلا يستأذن، ويقول: قل له أبو عبد الله.
قال: ذاك عروة بن الزبير، ائذن له.
فلما دخل سلم عليه بالخلافة، وعانقه ورحب به وأجلسه على السرير. فقال عروة:
نمت بأرحام إليك قريبة ولا قرب للأرحام ما لم تقرب
ثم جرى الحديث بينهما حتى وصل إلي عبد الله بن الزبير، فقال عروة: بان، فسأل عبد الملك: وما فعل؟
أجاب عروة: قتل رحمه الله.
فخر عبد الملك ساجدا.
قال عروة: فإن الحجاج صلبه، فهب جثته لأمه.
قال: نعم. وكتب إلي الحجاج يعظم ما بلغه من صلبه، وكتب إليه بشأن عروة قائلا: إن عروة كان مع أخيه، فلما قتل عدو الله أخذ مالا من مال الله وهرب.
فكتب إليه عبد الملك: إنه لم يهرب، ولكنه أتاني مبايعا، وقد أمنته وحللته مما كان، وهو قادم عليك، فإياك وعروة. ويبدو أن عروة كان قد عاد إلي الشام بعد دفن أخيه، إذ كانت الصلة بينه وبين الملك قديمة أيام أن كانا يجلسان معا في مسجد المدينة، وعز على الحجاج أن يفلت عروة بالأموال، فعاود الكتابة إلي عبد الملك بشأنه حتى هم عبد الملك أن يبعث به إلي الحجاج، فقال عروة لما أحس ذلك من عبد الملك: ليس الذليل من قتلتموه، ولكن من ملكتموه، وقال: ليس بملوم من صبر حتى مات كريما، ولكن الملوم من خاف من الموت، وسمع مثل هذا الكلام.
فقال عبد الملك: لن تسمع أبا عبد الله شيئا تكرهه. ويبدو أن عروة أقام بعض الوقت عند عبد الملك، وأظهر عبد الملك من إكرامه والحفاوة به ما يليق بعروة، وربما جدد ذلك لهما صحبتهما في مسجد المدينة، لما كانا في أول الشباب جادين في تحصيل العلم والنسك، وكان عبد الملك معجبا بعلم عروة، وقد مر بنا إشارته على الزهري أن يلزمه، فدخل هو وعروة يوما بستانا فأعجب عروة جماله ونظامه وشجره وثماره، فقال: ما أحسن هذا البستان. فقال عبد الملك: أنت والله احسن منه، إن هذا يؤتي أكله كل عام وأنت تؤتي أكلك كل يوم.
هل ولى عروة اليمن لعبد الملك
ذكر صاحب العقد الفريد أن عروة كان عاملا على اليمن لعبد الملك بن مروان، وكانت العلاقة بين عروة والحجاج علاقة تربص وتوثب، والحجاج رجل الدولة، ويدها اليمنى، ومسكت منافسيها في العراق والحجاز، وما كان له أن يستريح، وهو يرى أخ عدو بني مروان اللدود يتولى عملا لهم على اليمن، ولم ينس بعد الأموال التي أخذها واحتمى منه بعد الملك، واتصل بعروة أن الحجاج عازم على مطالبته بالأموال التي تحت يده، وعزله عن عمله، ففر إلي عبد الملك، وعاذ به تخوفا من الحجاج. واستدفاعا لضرره وشره.
فلما بلغ الحجاج لجوء عروة إلي عبد الملك غاظه ذلك وكتب إليه: أما بعد، فإن لواذ المعترضين بك، وحلول الهائجين إلي المكث بساحتك، واستلانتهم دمث أخلاقك، وسعة عفوك كالعارض المبرق لأعدائه، لا يعدم له شائما، رجاء استمالة عفوك، وإذا أدنى الناس بالصفح عن الجرائم كان ذلك تمرينا لهم على إضاعة الحقوق مع كل ضال، والناس عبيد العصى، هم على الشدة أشد استباقا منهم على اللين، ولنا قبل عروة بن الزبير مال من مال الله، وفي استخراجه منه قطع لطمع غيره فليبعث به أمير المؤمنين إن رأى ذلك والسلام.
يقول صاحب العقد الفريد: فلما قرأ عبد الملك الكتاب بعث إلي عروة، ثم قال: إن كتاب الحجاج قد ورد فيك، وقد أبى إلا إشخاصك إليه، ثم قال لرسول الحجاج: شأنك به. فالتفت إليه عروة مقبلا عليه، وقال: "أما والله ما ذل وخزى من مات، ولكن ذل وخزى من ملكتموه، والله لئن كان الملك بجواز الأمر، ونفاذ النهي، إن الحجاج لسلطان عليك، ينفذ أموره دون أمورك، إنك لتريد الأمر يزينك عاجله، ويبقى لك أكرومة آجله، فيجذبك عنه، ويلقاه دونك، ليتولى من ذلك الحكم فيه، فيحظى بشرف عفو إن كان، أو بجرم عقوبة إن كنت وما حاربك من حاربك إلا على أمر هذا بعضه".
فنظر عبد الملك في كتاب الحجاج مرة أخرى بعد سماع مقالة عروة، ورفع بصره إلي عروة تارة، ثم دعا بدواة وقرطاس، فكتب إليه: "أما بعد، فإن أمير المؤمنين رآك مع ثقته في نصيحتك خابطا في السياسة خبط عشواء الليل، فإن رأيك الذي يسول لك أن الناس عبيد العصى هو الذي أخرج رجالات العرب إلي الوثوب عليك، وإذا أحرجت العامة بعنف السياسة، كانوا أوشك وثوبا عليك عند الفرصة، ثم لا يلتفتون إلي ضلال الداعي وهداه إذا رجوا بذلك إدراك الثأر منك. وقد وليت العراق قبلك ساسة وهم يومئذ أحمى أنوفا وأقرب من عمياء الجاهلية، وكانوا عليهم أصلح منك عليهم، وللشدة واللين أهلون، والإفراط في العفو افضل من الإفراط في العقوبة والسلام.

الأيام الأخيرة
ولم تكد تنجلي هذه الشدة، ويستريح الناس جميعا من الحجاج، حتى يعود عروة إلي المدينة، ويستقر بها، وينصرف للعلم والفقه والمغازي والرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلي جانب البذل من جاهه وماله ما ينفع الناس، وهو الذي حفر بئر عروة المعروفة حتى اليوم، وكان في منهجه في نشر العلم متبعا للأثر، مقتفيا له، حتى قال ابنه هشام عنه: ما قال أبي في شيء برأيه قط، وكان قد عكف على بناء قصر له بالعقيق، فلما انتهى منه وحفر بئره، دعا جماعة فأطعمهم، فلما عاتبوه على ترك المدينة، قال تلك الكلمة التي رويت عنه، والتي تشعر بأن الناس انصرفوا إلي ما لا ينفعهم، فوجد السلامة في البعد عنهم، وقد يعبر عن ذلك قوله: "لم يعد في المدينة إلا حاسد على نعمة أو شامت بمصيبة.
وتوفى عروة رحمه الله في أرضه عام 94 هـ على الصحيح ودفن بها، وهي السنة التي يقال لها سنة الفقهاء لكثرة من توفى منهم فيها، فرحمه الله ورضى عنه
جزى الله من كتبها ِونقلها ومر عليها وقرأها والى اللقاء في الحلقة الرابعة عشر إن شاء الله من إخترت لك .







رد مع اقتباس
قديم 06-13-2012, 03:11 AM رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
الوجيه بن طريِّق
عضو موهوب
إحصائية العضو






 

الوجيه بن طريِّق غير متواجد حالياً

 


Mpr9 21 الحلقة الرابعة عشر - اخترت لك




بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحلقة الرابعة عشر – اخترت لك

( ابو بكر الصديق – رضي الله عنه وأرضاه )

إسمه : عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي التيم
كنيته

أبو بكر
لقبه
عتيق ، والصدِّيق .
قيل لُقّب بـ " عتيق " لأنه
= كان جميلاً
= لعتاقة وجهه
= قديم في الخير
= وقيل : كانت أم أبي بكر لا يعيش لها ولد ، فلما ولدته استقبلت به البيت ، فقالت : اللهم إن هذا عتيقك من الموت ، فهبه لي .
وقيل غير ذلك

ولُقّب بـ " الصدّيق " لأنه صدّق النبي صلى الله عليه وآله سلم ، وبالغ في تصديقه كما في صبيحة الإسراء وقد قيل له : إن صاحبك يزعم أنه أُسري به ، فقال : إن كان قال فقد صدق !
وقد سماه الله صديقا فقال سبحانه : ( وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ )
جاء في تفسيرها : الذي جاء بالصدق هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، والذي صدّق به هو أبو بكر رضي الله عنه .
ولُقّب بـ " الصدِّيق " لأنه أول من صدّق وآمن بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم من الرجال .

وسماه النبي صلى الله عليه وآله وسلم " الصدّيق "
روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صعد أُحداً وأبو بكر وعمر وعثمان ، فرجف بهم فقال : اثبت أُحد ، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان .

وكان أبو بكر رضي الله عنه يُسمى " الأوّاه " لرأفته


مولده
ولد بعد عام الفيل بسنتين وستة أشهر

صفته
كان أبو بكر رضي الله عنه أبيض نحيفاً ، خفيف العارضين ، معروق الوجه ، ناتئ الجبهة ، وكان يخضب بالحناء والكَتَم .
وكان رجلاً اسيفاً أي رقيق القلب رحيماً .

فضائله
ما حاز الفضائل رجل كما حازها أبو بكر رضي الله عنه

• فهو أفضل هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وآله وسلم
قال ابن عمر رضي الله عنهما : كنا نخيّر بين الناس في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فنخيّر أبا بكر ، ثم عمر بن الخطاب ، ثم عثمان بن عفان رضي الله عنهم . رواه البخاري .

وروى البخاري عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ أقبل أبو بكر آخذا بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أما صاحبكم فقد غامر . وقال : إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيء ، فأسرعت إليه ثم ندمت فسألته أن يغفر لي فأبى عليّ ، فأقبلت إليك فقال : يغفر الله لك يا أبا بكر - ثلاثا - ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فسأل : أثَـمّ أبو بكر ؟ فقالوا : لا ، فأتى إلى النبي فجعل وجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتمعّر ، حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه فقال : يا رسول الله والله أنا كنت أظلم - مرتين - فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : إن الله بعثني إليكم فقلتم : كذبت ، وقال أبو بكر : صَدَق ، وواساني بنفسه وماله ، فهل أنتم تاركو لي صاحبي – مرتين - فما أوذي بعدها .

فقد سبق إلى الإيمان ، وصحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصدّقه ، واستمر معه في مكة طول إقامته رغم ما تعرّض له من الأذى ، ورافقه في الهجرة .

• وهو ثاني اثنين في الغار مع نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم
قال سبحانه وتعالى : ( ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا )سورة التوبة الاية 40
قال السهيلي : ألا ترى كيف قال : لا تحزن ولم يقل لا تخف ؟ لأن حزنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم شغله عن خوفه على نفسه .
وفي الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه حدّثه قال : نظرت إلى أقدام المشركين على رؤوسنا ونحن في الغار فقلت : يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه . فقال : يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما .

ولما أراد النبي صلى الله عليه وآله سلم أن يدخل الغار دخل قبله لينظر في الغار لئلا يُصيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم شيء .
ولما سارا في طريق الهجرة كان يمشي حينا أمام النبي صلى الله عليه وآله سلم وحينا خلفه وحينا عن يمينه وحينا عن شماله .

ولذا لما ذكر رجال على عهد عمر رضي الله عنه فكأنهم فضّـلوا عمر على أبي بكر رضي الله عنهما ، فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فقال : والله لليلة من أبي بكر خير من آل عمر ، وليوم من أبي بكر خير من آل عمر ، لقد خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لينطلق إلى الغار ومعه أبو بكر ، فجعل يمشي ساعة بين يديه وساعة خلفه ، حتى فطن له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا أبا بكر مالك تمشي ساعة بين يدي وساعة خلفي ؟ فقال : يا رسول الله أذكر الطلب فأمشي خلفك ، ثم أذكر الرصد فأمشي بين يديك . فقال :يا أبا بكر لو كان شيء أحببت أن يكون بك دوني ؟ قال : نعم والذي بعثك بالحق ما كانت لتكون من مُلمّة إلا أن تكون بي دونك ، فلما انتهيا إلى الغار قال أبو بكر : مكانك يا رسول الله حتى استبرئ الجحرة ، فدخل واستبرأ ، قم قال : انزل يا رسول الله ، فنزل . فقال عمر : والذي نفسي بيده لتلك الليلة خير من آل عمر .رواه الحاكم والبيهقي في دلائل النبوة.

• ولما هاجر مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخذ ماله كله في سبيل الله .

• وهو أول الخلفاء الراشدين

وقد أُمِرنا أن نقتدي بهم ، كما في قوله عليه الصلاة والسلام : عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ . رواه الإمام أحمد والترمذي وغيرهما ، وهو حديث صحيح بمجموع طرقه .

واستقر خليفة للمسلمين دون مُنازع ، ولقبه المسلمون بـ " خليفة رسول الله صلى الله عليه وآلهوسلم "

• وخلافته رضي الله عنه منصوص عليها
فقد أمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو في مرضه أن يُصلي بالناس
في الصحيحين عن عائشةَ رضي اللّهُ عنها قالت : لما مَرِضَ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم مرَضَهُ الذي ماتَ فيه أَتاهُ بلالٌ يُؤْذِنهُ بالصلاةِ فقال : مُروا أَبا بكرٍ فلْيُصَلّ . قلتُ : إنّ أبا بكرٍ رجلٌ أَسِيفٌ[ وفي رواية : رجل رقيق ]إن يَقُمْ مَقامَكَ يبكي فلا يقدِرُ عَلَى القِراءَةِ . قال : مُروا أَبا بكرٍ فلْيُصلّ . فقلتُ مثلَهُ : فقال في الثالثةِ - أَوِ الرابعةِ - : إِنّكنّ صَواحبُ يوسفَ ! مُروا أَبا بكرٍ فلْيُصلّ ، فصلّى .
ولذا قال عمر رضي الله عنه : أفلا نرضى لدنيانا من رضيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لديننا ؟!

وروى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه : ادعي لي أبا بكر وأخاك حتى اكتب كتابا ، فإني أخاف أن يتمنى متمنٍّ ويقول قائل : أنا أولى ، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر .

وجاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وآله سلم فكلمته في شيء فأمرها بأمر ، فقالت : أرأيت يا رسول الله إن لم أجدك ؟ قال : إن لم تجديني فأتي أبا بكر . رواه البخاري ومسلم .

• وقد أُمرنا أن نقتدي به رضي الله عنه
قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر . رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه ، وهو حديث صحيح .

• وكان أبو بكر ممن يُـفتي على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم
ولذا بعثه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أميراً على الحج في الحجّة التي قبل حجة الوداع
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : بعثني أبو بكر الصديق في الحجة التي أمره عليها رسول الله صلى الله عليه وآله سلم قبل حجة الوداع في رهط يؤذنون في الناس يوم النحر : لا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان .

وأبو بكر رضي الله عنه حامل راية النبي صلى الله عليه وآله سلم يوم تبوك .

• وأنفق ماله كله لما حث النبي صلى الله عليه وآله وسلم على النفقة
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله سلم أن نتصدق ، فوافق ذلك مالاً فقلت : اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما . قال : فجئت بنصف مالي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ما أبقيت لأهلك ؟ قلت : مثله ، وأتى أبو بكر بكل ما عنده فقال : يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك ؟ فقال : أبقيت لهم الله ورسوله ! قال عمر قلت : والله لا أسبقه إلى شيء أبدا . رواه الترمذي.


• ومن فضائله أنه أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
قال عمرو بن العاص لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أي الناس أحب إليك ؟ قال : عائشة . قال : قلت : من الرجال ؟ قال : أبوها . رواه مسلم.

• ومن فضائله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اتخذه أخـاً له.
روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الناس وقال : إن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله . قال : فبكى أبو بكر ، فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن عبد خير ، فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو المخير ، وكان أبو بكر أعلمنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن مِن أمَنّ الناس عليّ في صحبته وماله أبا بكر ، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر ، ولكن أخوة الإسلام ومودته ، لا يبقين في المسجد باب إلا سُـدّ إلا باب أبي بكر .

• ومن فضائله رضي الله عنه أن الله زكّـاه
قال سبحانه وبحمده : ( وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى * إِلا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرضى)سورة الليل الاية 17-22
وهذه الآيات نزلت في ابي بكر رضي الله عنه .
وهو من السابقين الأولين بل هو أول السابقين
قال سبحانه : ( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )سورة التوبة الاية 100

• وقد زكّـاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم
فلما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من جرّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة . قال أبو بكر : إن أحد شقي ثوبي يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إنك لست تصنع ذلك خيلاء . رواه البخاري في فضائل أبي بكر رضي الله عنه .

• ومن فضائله رضي الله عنه أنه يُدعى من أبواب الجنة كلها
قال صلى الله عليه وآله وسلم : من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله دُعي من أبواب الجنة : يا عبد الله هذا خير ، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ، ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد ، ومن كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة ، ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الصيام وباب الريان . فقال أبو بكر : ما على هذا الذي يدعى من تلك الأبواب من ضرورة ، فهل يُدعى منها كلها أحد يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال : نعم ، وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر . رواه البخاري ومسلم .

• ومن فضائله أنه جمع خصال الخير في يوم واحد
روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من أصبح منكم اليوم صائما ؟
قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا .
قال : فمن تبع منكم اليوم جنازة ؟
قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا .
قال : فمن أطعم منكم اليوم مسكينا ؟
قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا .
قال : فمن عاد منكم اليوم مريضا ؟
قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ما اجتمعن في امرىء إلا دخل الجنة .[• ومن فضائله رضي الله عنه أن وصفه رجل المشركين بمثل ما وصفت خديجة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

لما ابتلي المسلمون في مكة واشتد البلاء خرج أبو بكر مهاجراً قِبل الحبشة حتى إذا بلغ بَرْك الغماد لقيه ابن الدغنة وهو سيد القارَة ، فقال : أين تريد يا أبا بكر ؟ فقال أبو بكر : أخرجني قومي فأنا أريد أن أسيح في الأرض فأعبد ربي . قال ابن الدغنة : إن مثلك لا يخرج ولا يخرج فإنك تكسب المعدوم وتصل الرحم وتحمل الكَلّ وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق ، وأنا لك جار فارجع فاعبد ربك ببلادك ، فارتحل ابن الدغنة فرجع مع أبي بكر فطاف في أشراف كفار قريش فقال لهم : إن أبا بكر لا يَخرج مثله ولا يُخرج ، أتُخرجون رجلا يكسب المعدوم ويصل الرحم ويحمل الكل ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق ؟! فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة وآمنوا أبا بكر وقالوا لابن الدغنة : مُر أبا بكر فليعبد ربه في داره فليصل وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا بذلك ولا يستعلن به ، فإنا قد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا قال ذلك ابن الدغنة لأبي بكر فطفق أبو بكر يعبد ربه في داره ولا يستعلن بالصلاة ولا القراءة في غير داره ، ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره وبرز فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن فيتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون وينظرون إليه وكان أبو بكر رجلاً بكّاءً لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم فقالوا له : إنا كنا أجرنا أبا بكر على أن يعبد ربه في داره وإنه جاوز ذلك فابتنى مسجدا بفناء داره وأعلن الصلاة والقراءة وقد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا فأته فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل وإن أبى إلاّ أن يعلن ذلك فَسَلْهُ أن يرد إليك ذمتك فإنا كرهنا أن نخفرك ، ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان . قالت عائشة فأتى ابن الدغنة أبا بكر فقال : قد علمت الذي عقدت لك عليه فإما أن تقتصر على ذلك وإما أن ترد إلي ذمتي فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له قال أبو بكر : إني أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله . رواه البخاري .

• وكان عليّ رضي الله عنه يعرف لأبي بكر فضله
قال محمد بن الحنفية : قلت لأبي – علي بن أبي طالب رضي الله عنه - : أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قال : أبو بكر . قلت : ثم من ؟ قال : ثم عمر ، وخشيت أن يقول عثمان قلت : ثم أنت ؟ قال : ما أنا إلا رجل من المسلمين . رواه البخاري.

وقال عليّ رضي الله عنه : كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حديثا نفعني الله به بما شاء أن ينفعني منه ، وإذا حدثني غيره استحلفته ، فإذا حلف لي صدقته ، وحدثني أبو بكر وصدق أبو بكر . قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ما من عبد مؤمن يذنب ذنبا فيتوضأ فيحسن الطهور ثم يصلي ركعتين فيستغفر الله تعالى إلا غفر الله له ثم تلا : ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ) . رواه أحمد وأبو داود .

• ولم يكن هذا الأمر خاص بعلي رضي الله عنه بل كان هذا هو شأن بنِيـه
قال الإمام جعفر لصادق : أولدني أبو بكر مرتين .
وسبب قوله : أولدني أبو بكر مرتين ، أن أمَّه هي فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر ، وجدته هي أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر .
فهو يفتخر في جّـدِّه ثم يأتي من يدّعي اتِّباعه ويلعن جدَّ إمامه ؟
قال جعفر الصادق لسالم بن أبي حفصة وقد سأله عن أبي بكر وعمر ، فقال : يا سالم تولَّهُما ، وابرأ من عدوهما ، فإنهما كانا إمامي هدى ، ثم قال جعفر : يا سالم أيسُبُّ الرجل جده ؟ أبو بكر جدي ، لا نالتني شفاعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة إن لم أكن أتولاهما وأبرأ من عدوهما .
وروى جعفر بن محمد – وهو جعفر الصادق - عن أبيه – وهو محمد بن علي بن الحسين بن علي – رضي الله عنهم أجمعين ، قال : جاء رجل إلى أبي – يعني علي بن الحسين ، المعروف والمشهور بزين العابدين - فقال : أخبرني عن أبي بكر ؟ قال : عن الصديق تسأل ؟ قال : وتسميه الصديق ؟! قال : ثكلتك أمك ، قد سماه صديقا من هو خير مني ؛ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم والمهاجرون والأنصار ، فمن لم يُسمه صدِّيقا ، فلا صدّق الله قوله ، اذهب فأحب أبا بكر وعمر وتولهما ، فما كان من أمـر ففي عنقي.

ولما قدم قوم من العراق فجلسوا إلى زين العابدين ، فذكروا أبا بكر وعمر فسبوهما ، ثم ابتـركوا في عثمان ابتـراكا ، فشتمهم .
وابتركوا : يعني وقعوا فيه وقوعاً شديداً .
وما ذلك إلا لعلمهم بمكانة وزيري رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وبمكانة صاحبه في الغار ، ولذا لما جاء رجل فسأل زين العابدين : كيف كانت منزلة أبي بكر وعمر عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ فأشار بيده إلى القبر ثم قال : لمنزلتهما منه الساعة .

قال بكر بن عبد الله المزني رحمه الله :
ما سبقهم أبو بكر بكثرة صلاة ولا صيام ، ولكن بشيء وَقَـرَ في قلبه .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
يا سَائِلي عَنْ مَذْهَبِي وعَقيدَتِي = رُزِقَ الهُدى مَنْ لِلْهِدايةِ يَسأَلُ
اسمَعْ كَلامَ مُحَقِّقٍ في قَولِه = لا يَنْثَني عَنهُ ولا يَتَبَدَّل
حُبُّ الصَّحابَةِ كُلُّهُمْ لي مَذْهَبٌ = وَمَوَدَّةُ القُرْبى بِها أَتَوَسّل
وَلِكُلِّهِمْ قَدْرٌ وَفَضْلٌ ساطِعٌ = لكِنَّما الصِّديقُ مِنْهُمْ أَفْضَل

• وجمع بيت أبي بكر وآل أبي بكر من الفضائل الجمة الشيء الكثير الذي لم يجمعه بيت في الإسلام
فقد كان بيت أبي بكر رضي الله عنه في خدمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، كما في الاستعداد للهجرة ، وما فعله عبد الله بن أبي بكر وأخته أسماء في نقل الطعام والأخبار لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصاحبه في الغار
وعائشة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم هي بنت أبي بكر رضي الله عنه وعنها

قال ابن الجوزي رحمه الله :
أربعة تناسلوا رأوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
أبو قحافة
وابنه أبو بكر
وابنه عبد الرحمن
وابنه محمد

أعماله :
من أعظم أعماله سبقه إلى الإسلام وهجرته مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وثباته يوم موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
ومن أعماله قبل الهجرة أنه أعتق سبعة كلهم يُعذّب في الله ، وهم : بلال بن أبي رباح ، وعامر بن فهيرة ، وزنيرة ، والنهدية وابنتها ، وجارية بني المؤمل ، وأم عُبيس .
ومن أعظم أعماله التي قام بها بعد تولّيه الخلافة حرب المرتدين
فقد كان رجلا رحيما رقيقاً ولكنه في ذلك الموقف ، في موقف حرب المرتدين كان أصلب وأشدّ من عمر رضي الله عنه الذي عُرِف بالصلابة في الرأي والشدّة في ذات الله
روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : لما توفى النبي صلى الله عليه وآله وسلم واستُخلف أبو بكر وكفر من كفر من العرب قال عمر : يا أبا بكر كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أمِرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله ؟ قال أبو بكر : والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حق المال ، والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقاتلتهم على منعها . قال عمر : فو الله ما هو إلا أن رأيت أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق .

لقد سُجِّل هذا الموقف الصلب القوي لأبي بكر رضي الله عنه حتى قيل : نصر الله الإسلام بأبي بكر يوم الردّة ، وبأحمد يوم الفتنة .
فحارب رضي الله عنه المرتدين ومانعي الزكاة ، وقتل الله مسيلمة الكذاب في زمانه .
ومع ذلك الموقف إلا أنه أنفذ جيش أسامة الذي كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أراد إنفاذه نحو الشام .

وفي عهده فُتِحت فتوحات الشام ، وفتوحات العراق

وفي عهده جُمع القرآن ، حيث أمر رضي الله عنه زيد بن ثابت أن يجمع القرآن

وكان عارفاً بالرجال ، ولذا لم يرضَ بعزل خالد بن الوليد ، وقال : والله لا أشيم سيفا سله الله على عدوه حتى يكون الله هو يشيمه . رواه الإمام أحمد وغيره .

وفي عهده وقعت وقعة ذي القَصّة ، وعزم على المسير بنفسه حتى أخذ عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه بزمام راحلته وقال له : إلى أين يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ أقول لك ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم أُحد : شِـمْ سيفك ولا تفجعنا بنفسك . وارجع إلى المدينة ، فو الله لئن فُجعنا بك لا يكون للإسلام نظام أبدا ، فرجع أبو بكر رضي الله عنه وأمضى الجيش .

وكان أبو بكر رضي الله عنه أنسب العرب ، أي أعرف العرب بالأنساب .

زهـده :
مات أبو بكر رضي الله عنه وما ترك درهما ولا دينارا

عن الحسن بن علي رضي الله عنه قال : لما احتضر أبو بكر رضي الله عنه قال : يا عائشة أنظري اللقحة التي كنا نشرب من لبنها والجفنة التي كنا نصطبح فيها والقطيفة التي كنا نلبسها فإنا كنا ننتفع بذلك حين كنا في أمر المسلمين ، فإذا مت فاردديه إلى عمر ، فلما مات أبو بكر رضي الله عنه أرسلت به إلى عمر رضي الله عنه فقال عمر رضي الله عنه : رضي الله عنك يا أبا بكر لقد أتعبت من جاء بعدك .

ورعـه :
كان أبو بكر رضي الله عنه ورعاً زاهداً في الدنيا حتى لما تولى الخلافة خرج في طلب الرزق فردّه عمر واتفقوا على أن يُجروا له رزقا من بيت المال نظير ما يقوم به من أعباء الخلافة

قالت عائشة رضي الله عنها : كان لأبي بكر غلام يخرج له الخراج ، وكان أبو بكر يأكل من خراجه ، فجاء يوماً بشيء ، فأكل منه أبو بكر ، فقال له الغلام : تدري ما هذا ؟ فقال أبو بكر : وما هو ؟ قال : كنت تكهّنت لإنسان في الجاهلية وما أحسن الكهانة إلا أني خدعته ، فلقيني فأعطاني بذلك فهذا الذي أكلت منه ، فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه . رواه البخاري .

وفاته :
توفي في يوم الإثنين في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة من الهجرة ، وهو ابن ثلاث وستين سنة .

فرضي الله عنه وأرضاه
وجمعنا به في دار كرامته

أعلم بأنني لم أوفِّ أبا بكر حقّـه

فقد أتعب من بعده حتى من ترجموا له ، فكيف بمن يقتطف مقتطفات من سيرته ؟جزى الله كل الخير من كتبها ونقلها ومر عليها وقرأها والى اللقاء في الحلقة الخامسة عشر من إخترت لك






رد مع اقتباس
قديم 06-13-2012, 03:16 AM رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
الوجيه بن طريِّق
عضو موهوب
إحصائية العضو






 

الوجيه بن طريِّق غير متواجد حالياً

 


Mpr9 21 الحلقة الخامسة عشر - اخترت لك



بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحلقة الخامسة عشر – اخترت لك

( ابو بكر الصديق – رضي الله عنه وأرضاه )

إسمه : عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي التيم
كنيته

أبو بكر
لقبه
عتيق ، والصدِّيق .
قيل لُقّب بـ " عتيق " لأنه
= كان جميلاً
= لعتاقة وجهه
= قديم في الخير
= وقيل : كانت أم أبي بكر لا يعيش لها ولد ، فلما ولدته استقبلت به البيت ، فقالت : اللهم إن هذا عتيقك من الموت ، فهبه لي .
وقيل غير ذلك

ولُقّب بـ " الصدّيق " لأنه صدّق النبي صلى الله عليه وآله سلم ، وبالغ في تصديقه كما في صبيحة الإسراء وقد قيل له : إن صاحبك يزعم أنه أُسري به ، فقال : إن كان قال فقد صدق !
وقد سماه الله صديقا فقال سبحانه : ( وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ )
جاء في تفسيرها : الذي جاء بالصدق هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، والذي صدّق به هو أبو بكر رضي الله عنه .
ولُقّب بـ " الصدِّيق " لأنه أول من صدّق وآمن بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم من الرجال .

وسماه النبي صلى الله عليه وآله وسلم " الصدّيق "
روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صعد أُحداً وأبو بكر وعمر وعثمان ، فرجف بهم فقال : اثبت أُحد ، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان .

وكان أبو بكر رضي الله عنه يُسمى " الأوّاه " لرأفته



مولده
ولد بعد عام الفيل بسنتين وستة أشهر

صفته
كان أبو بكر رضي الله عنه أبيض نحيفاً ، خفيف العارضين ، معروق الوجه ، ناتئ الجبهة ، وكان يخضب بالحناء والكَتَم .
وكان رجلاً اسيفاً أي رقيق القلب رحيماً .

فضائله
ما حاز الفضائل رجل كما حازها أبو بكر رضي الله عنه

• فهو أفضل هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وآله وسلم
قال ابن عمر رضي الله عنهما : كنا نخيّر بين الناس في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فنخيّر أبا بكر ، ثم عمر بن الخطاب ، ثم عثمان بن عفان رضي الله عنهم . رواه البخاري .

وروى البخاري عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ أقبل أبو بكر آخذا بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أما صاحبكم فقد غامر . وقال : إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيء ، فأسرعت إليه ثم ندمت فسألته أن يغفر لي فأبى عليّ ، فأقبلت إليك فقال : يغفر الله لك يا أبا بكر - ثلاثا - ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فسأل : أثَـمّ أبو بكر ؟ فقالوا : لا ، فأتى إلى النبي فجعل وجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتمعّر ، حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه فقال : يا رسول الله والله أنا كنت أظلم - مرتين - فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : إن الله بعثني إليكم فقلتم : كذبت ، وقال أبو بكر : صَدَق ، وواساني بنفسه وماله ، فهل أنتم تاركو لي صاحبي – مرتين - فما أوذي بعدها .

فقد سبق إلى الإيمان ، وصحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصدّقه ، واستمر معه في مكة طول إقامته رغم ما تعرّض له من الأذى ، ورافقه في الهجرة .

• وهو ثاني اثنين في الغار مع نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم
قال سبحانه وتعالى : ( ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا )سورة التوبة الاية 40
قال السهيلي : ألا ترى كيف قال : لا تحزن ولم يقل لا تخف ؟ لأن حزنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم شغله عن خوفه على نفسه .
وفي الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه حدّثه قال : نظرت إلى أقدام المشركين على رؤوسنا ونحن في الغار فقلت : يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه . فقال : يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما .

ولما أراد النبي صلى الله عليه وآله سلم أن يدخل الغار دخل قبله لينظر في الغار لئلا يُصيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم شيء .
ولما سارا في طريق الهجرة كان يمشي حينا أمام النبي صلى الله عليه وآله سلم وحينا خلفه وحينا عن يمينه وحينا عن شماله .

ولذا لما ذكر رجال على عهد عمر رضي الله عنه فكأنهم فضّـلوا عمر على أبي بكر رضي الله عنهما ، فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فقال : والله لليلة من أبي بكر خير من آل عمر ، وليوم من أبي بكر خير من آل عمر ، لقد خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لينطلق إلى الغار ومعه أبو بكر ، فجعل يمشي ساعة بين يديه وساعة خلفه ، حتى فطن له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا أبا بكر مالك تمشي ساعة بين يدي وساعة خلفي ؟ فقال : يا رسول الله أذكر الطلب فأمشي خلفك ، ثم أذكر الرصد فأمشي بين يديك . فقال :يا أبا بكر لو كان شيء أحببت أن يكون بك دوني ؟ قال : نعم والذي بعثك بالحق ما كانت لتكون من مُلمّة إلا أن تكون بي دونك ، فلما انتهيا إلى الغار قال أبو بكر : مكانك يا رسول الله حتى استبرئ الجحرة ، فدخل واستبرأ ، قم قال : انزل يا رسول الله ، فنزل . فقال عمر : والذي نفسي بيده لتلك الليلة خير من آل عمر .رواه الحاكم والبيهقي في دلائل النبوة.

• ولما هاجر مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخذ ماله كله في سبيل الله .

• وهو أول الخلفاء الراشدين

وقد أُمِرنا أن نقتدي بهم ، كما في قوله عليه الصلاة والسلام : عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ . رواه الإمام أحمد والترمذي وغيرهما ، وهو حديث صحيح بمجموع طرقه .

واستقر خليفة للمسلمين دون مُنازع ، ولقبه المسلمون بـ " خليفة رسول الله صلى الله عليه وآلهوسلم "

• وخلافته رضي الله عنه منصوص عليها
فقد أمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو في مرضه أن يُصلي بالناس
في الصحيحين عن عائشةَ رضي اللّهُ عنها قالت : لما مَرِضَ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم مرَضَهُ الذي ماتَ فيه أَتاهُ بلالٌ يُؤْذِنهُ بالصلاةِ فقال : مُروا أَبا بكرٍ فلْيُصَلّ . قلتُ : إنّ أبا بكرٍ رجلٌ أَسِيفٌ[ وفي رواية : رجل رقيق ]إن يَقُمْ مَقامَكَ يبكي فلا يقدِرُ عَلَى القِراءَةِ . قال : مُروا أَبا بكرٍ فلْيُصلّ . فقلتُ مثلَهُ : فقال في الثالثةِ - أَوِ الرابعةِ - : إِنّكنّ صَواحبُ يوسفَ ! مُروا أَبا بكرٍ فلْيُصلّ ، فصلّى .
ولذا قال عمر رضي الله عنه : أفلا نرضى لدنيانا من رضيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لديننا ؟!

وروى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه : ادعي لي أبا بكر وأخاك حتى اكتب كتابا ، فإني أخاف أن يتمنى متمنٍّ ويقول قائل : أنا أولى ، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر .

وجاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وآله سلم فكلمته في شيء فأمرها بأمر ، فقالت : أرأيت يا رسول الله إن لم أجدك ؟ قال : إن لم تجديني فأتي أبا بكر . رواه البخاري ومسلم .

• وقد أُمرنا أن نقتدي به رضي الله عنه
قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر . رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه ، وهو حديث صحيح .

• وكان أبو بكر ممن يُـفتي على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم
ولذا بعثه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أميراً على الحج في الحجّة التي قبل حجة الوداع
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : بعثني أبو بكر الصديق في الحجة التي أمره عليها رسول الله صلى الله عليه وآله سلم قبل حجة الوداع في رهط يؤذنون في الناس يوم النحر : لا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان .

وأبو بكر رضي الله عنه حامل راية النبي صلى الله عليه وآله سلم يوم تبوك .

• وأنفق ماله كله لما حث النبي صلى الله عليه وآله وسلم على النفقة
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله سلم أن نتصدق ، فوافق ذلك مالاً فقلت : اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما . قال : فجئت بنصف مالي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ما أبقيت لأهلك ؟ قلت : مثله ، وأتى أبو بكر بكل ما عنده فقال : يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك ؟ فقال : أبقيت لهم الله ورسوله ! قال عمر قلت : والله لا أسبقه إلى شيء أبدا . رواه الترمذي.

• ومن فضائله أنه أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
قال عمرو بن العاص لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أي الناس أحب إليك ؟ قال : عائشة . قال : قلت : من الرجال ؟ قال : أبوها . رواه مسلم.

• ومن فضائله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اتخذه أخـاً له.
روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الناس وقال : إن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله . قال : فبكى أبو بكر ، فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن عبد خير ، فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو المخير ، وكان أبو بكر أعلمنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن مِن أمَنّ الناس عليّ في صحبته وماله أبا بكر ، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر ، ولكن أخوة الإسلام ومودته ، لا يبقين في المسجد باب إلا سُـدّ إلا باب أبي بكر .

• ومن فضائله رضي الله عنه أن الله زكّـاه
قال سبحانه وبحمده : ( وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى * إِلا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرضى)سورة الليل الاية 17-22
وهذه الآيات نزلت في ابي بكر رضي الله عنه .
وهو من السابقين الأولين بل هو أول السابقين
قال سبحانه : ( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )سورة التوبة الاية 100

• وقد زكّـاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم
فلما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من جرّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة . قال أبو بكر : إن أحد شقي ثوبي يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إنك لست تصنع ذلك خيلاء . رواه البخاري في فضائل أبي بكر رضي الله عنه .

• ومن فضائله رضي الله عنه أنه يُدعى من أبواب الجنة كلها
قال صلى الله عليه وآله وسلم : من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله دُعي من أبواب الجنة : يا عبد الله هذا خير ، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ، ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد ، ومن كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة ، ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الصيام وباب الريان . فقال أبو بكر : ما على هذا الذي يدعى من تلك الأبواب من ضرورة ، فهل يُدعى منها كلها أحد يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال : نعم ، وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر . رواه البخاري ومسلم .

• ومن فضائله أنه جمع خصال الخير في يوم واحد
روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من أصبح منكم اليوم صائما ؟
قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا .
قال : فمن تبع منكم اليوم جنازة ؟
قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا .
قال : فمن أطعم منكم اليوم مسكينا ؟
قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا .
قال : فمن عاد منكم اليوم مريضا ؟
قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ما اجتمعن في امرىء إلا دخل الجنة .

• ومن فضائله رضي الله عنه أن وصفه رجل المشركين بمثل ما وصفت خديجة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

لما ابتلي المسلمون في مكة واشتد البلاء خرج أبو بكر مهاجراً قِبل الحبشة حتى إذا بلغ بَرْك الغماد لقيه ابن الدغنة وهو سيد القارَة ، فقال : أين تريد يا أبا بكر ؟ فقال أبو بكر : أخرجني قومي فأنا أريد أن أسيح في الأرض فأعبد ربي . قال ابن الدغنة : إن مثلك لا يخرج ولا يخرج فإنك تكسب المعدوم وتصل الرحم وتحمل الكَلّ وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق ، وأنا لك جار فارجع فاعبد ربك ببلادك ، فارتحل ابن الدغنة فرجع مع أبي بكر فطاف في أشراف كفار قريش فقال لهم : إن أبا بكر لا يَخرج مثله ولا يُخرج ، أتُخرجون رجلا يكسب المعدوم ويصل الرحم ويحمل الكل ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق ؟! فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة وآمنوا أبا بكر وقالوا لابن الدغنة : مُر أبا بكر فليعبد ربه في داره فليصل وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا بذلك ولا يستعلن به ، فإنا قد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا قال ذلك ابن الدغنة لأبي بكر فطفق أبو بكر يعبد ربه في داره ولا يستعلن بالصلاة ولا القراءة في غير داره ، ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره وبرز فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن فيتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون وينظرون إليه وكان أبو بكر رجلاً بكّاءً لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم فقالوا له : إنا كنا أجرنا أبا بكر على أن يعبد ربه في داره وإنه جاوز ذلك فابتنى مسجدا بفناء داره وأعلن الصلاة والقراءة وقد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا فأته فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل وإن أبى إلاّ أن يعلن ذلك فَسَلْهُ أن يرد إليك ذمتك فإنا كرهنا أن نخفرك ، ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان . قالت عائشة فأتى ابن الدغنة أبا بكر فقال : قد علمت الذي عقدت لك عليه فإما أن تقتصر على ذلك وإما أن ترد إلي ذمتي فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له قال أبو بكر : إني أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله . رواه البخاري .

• وكان عليّ رضي الله عنه يعرف لأبي بكر فضله
قال محمد بن الحنفية : قلت لأبي – علي بن أبي طالب رضي الله عنه - : أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قال : أبو بكر . قلت : ثم من ؟ قال : ثم عمر ، وخشيت أن يقول عثمان قلت : ثم أنت ؟ قال : ما أنا إلا رجل من المسلمين . رواه البخاري.

وقال عليّ رضي الله عنه : كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حديثا نفعني الله به بما شاء أن ينفعني منه ، وإذا حدثني غيره استحلفته ، فإذا حلف لي صدقته ، وحدثني أبو بكر وصدق أبو بكر . قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ما من عبد مؤمن يذنب ذنبا فيتوضأ فيحسن الطهور ثم يصلي ركعتين فيستغفر الله تعالى إلا غفر الله له ثم تلا : ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ) . رواه أحمد وأبو داود .

• ولم يكن هذا الأمر خاص بعلي رضي الله عنه بل كان هذا هو شأن بنِيـه
قال الإمام جعفر لصادق : أولدني أبو بكر مرتين .
وسبب قوله : أولدني أبو بكر مرتين ، أن أمَّه هي فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر ، وجدته هي أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر .
فهو يفتخر في جّـدِّه ثم يأتي من يدّعي اتِّباعه ويلعن جدَّ إمامه ؟
قال جعفر الصادق لسالم بن أبي حفصة وقد سأله عن أبي بكر وعمر ، فقال : يا سالم تولَّهُما ، وابرأ من عدوهما ، فإنهما كانا إمامي هدى ، ثم قال جعفر : يا سالم أيسُبُّ الرجل جده ؟ أبو بكر جدي ، لا نالتني شفاعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة إن لم أكن أتولاهما وأبرأ من عدوهما .
وروى جعفر بن محمد – وهو جعفر الصادق - عن أبيه – وهو محمد بن علي بن الحسين بن علي – رضي الله عنهم أجمعين ، قال : جاء رجل إلى أبي – يعني علي بن الحسين ، المعروف والمشهور بزين العابدين - فقال : أخبرني عن أبي بكر ؟ قال : عن الصديق تسأل ؟ قال : وتسميه الصديق ؟! قال : ثكلتك أمك ، قد سماه صديقا من هو خير مني ؛ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم والمهاجرون والأنصار ، فمن لم يُسمه صدِّيقا ، فلا صدّق الله قوله ، اذهب فأحب أبا بكر وعمر وتولهما ، فما كان من أمـر ففي عنقي.

ولما قدم قوم من العراق فجلسوا إلى زين العابدين ، فذكروا أبا بكر وعمر فسبوهما ، ثم ابتـركوا في عثمان ابتـراكا ، فشتمهم .
وابتركوا : يعني وقعوا فيه وقوعاً شديداً .
وما ذلك إلا لعلمهم بمكانة وزيري رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وبمكانة صاحبه في الغار ، ولذا لما جاء رجل فسأل زين العابدين : كيف كانت منزلة أبي بكر وعمر عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ فأشار بيده إلى القبر ثم قال : لمنزلتهما منه الساعة .

قال بكر بن عبد الله المزني رحمه الله :
ما سبقهم أبو بكر بكثرة صلاة ولا صيام ، ولكن بشيء وَقَـرَ في قلبه .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
يا سَائِلي عَنْ مَذْهَبِي وعَقيدَتِي = رُزِقَ الهُدى مَنْ لِلْهِدايةِ يَسأَلُ
اسمَعْ كَلامَ مُحَقِّقٍ في قَولِه = لا يَنْثَني عَنهُ ولا يَتَبَدَّل
حُبُّ الصَّحابَةِ كُلُّهُمْ لي مَذْهَبٌ = وَمَوَدَّةُ القُرْبى بِها أَتَوَسّل
وَلِكُلِّهِمْ قَدْرٌ وَفَضْلٌ ساطِعٌ = لكِنَّما الصِّديقُ مِنْهُمْ أَفْضَل

• وجمع بيت أبي بكر وآل أبي بكر من الفضائل الجمة الشيء الكثير الذي لم يجمعه بيت في الإسلام
فقد كان بيت أبي بكر رضي الله عنه في خدمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، كما في الاستعداد للهجرة ، وما فعله عبد الله بن أبي بكر وأخته أسماء في نقل الطعام والأخبار لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصاحبه في الغار
وعائشة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم هي بنت أبي بكر رضي الله عنه وعنها

قال ابن الجوزي رحمه الله :
أربعة تناسلوا رأوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
أبو قحافة
وابنه أبو بكر
وابنه عبد الرحمن
وابنه محمد

أعماله :
من أعظم أعماله سبقه إلى الإسلام وهجرته مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وثباته يوم موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
ومن أعماله قبل الهجرة أنه أعتق سبعة كلهم يُعذّب في الله ، وهم : بلال بن أبي رباح ، وعامر بن فهيرة ، وزنيرة ، والنهدية وابنتها ، وجارية بني المؤمل ، وأم عُبيس .
ومن أعظم أعماله التي قام بها بعد تولّيه الخلافة حرب المرتدين
فقد كان رجلا رحيما رقيقاً ولكنه في ذلك الموقف ، في موقف حرب المرتدين كان أصلب وأشدّ من عمر رضي الله عنه الذي عُرِف بالصلابة في الرأي والشدّة في ذات الله
روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : لما توفى النبي صلى الله عليه وآله وسلم واستُخلف أبو بكر وكفر من كفر من العرب قال عمر : يا أبا بكر كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أمِرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله ؟ قال أبو بكر : والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حق المال ، والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقاتلتهم على منعها . قال عمر : فو الله ما هو إلا أن رأيت أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق .

لقد سُجِّل هذا الموقف الصلب القوي لأبي بكر رضي الله عنه حتى قيل : نصر الله الإسلام بأبي بكر يوم الردّة ، وبأحمد يوم الفتنة .
فحارب رضي الله عنه المرتدين ومانعي الزكاة ، وقتل الله مسيلمة الكذاب في زمانه .
ومع ذلك الموقف إلا أنه أنفذ جيش أسامة الذي كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أراد إنفاذه نحو الشام .

وفي عهده فُتِحت فتوحات الشام ، وفتوحات العراق

وفي عهده جُمع القرآن ، حيث أمر رضي الله عنه زيد بن ثابت أن يجمع القرآن

وكان عارفاً بالرجال ، ولذا لم يرضَ بعزل خالد بن الوليد ، وقال : والله لا أشيم سيفا سله الله على عدوه حتى يكون الله هو يشيمه . رواه الإمام أحمد وغيره .

وفي عهده وقعت وقعة ذي القَصّة ، وعزم على المسير بنفسه حتى أخذ عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه بزمام راحلته وقال له : إلى أين يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ أقول لك ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم أُحد : شِـمْ سيفك ولا تفجعنا بنفسك . وارجع إلى المدينة ، فو الله لئن فُجعنا بك لا يكون للإسلام نظام أبدا ، فرجع أبو بكر رضي الله عنه وأمضى الجيش .

وكان أبو بكر رضي الله عنه أنسب العرب ، أي أعرف العرب بالأنساب .

زهـده :
مات أبو بكر رضي الله عنه وما ترك درهما ولا دينارا

عن الحسن بن علي رضي الله عنه قال : لما احتضر أبو بكر رضي الله عنه قال : يا عائشة أنظري اللقحة التي كنا نشرب من لبنها والجفنة التي كنا نصطبح فيها والقطيفة التي كنا نلبسها فإنا كنا ننتفع بذلك حين كنا في أمر المسلمين ، فإذا مت فاردديه إلى عمر ، فلما مات أبو بكر رضي الله عنه أرسلت به إلى عمر رضي الله عنه فقال عمر رضي الله عنه : رضي الله عنك يا أبا بكر لقد أتعبت من جاء بعدك .

ورعـه :
كان أبو بكر رضي الله عنه ورعاً زاهداً في الدنيا حتى لما تولى الخلافة خرج في طلب الرزق فردّه عمر واتفقوا على أن يُجروا له رزقا من بيت المال نظير ما يقوم به من أعباء الخلافة

قالت عائشة رضي الله عنها : كان لأبي بكر غلام يخرج له الخراج ، وكان أبو بكر يأكل من خراجه ، فجاء يوماً بشيء ، فأكل منه أبو بكر ، فقال له الغلام : تدري ما هذا ؟ فقال أبو بكر : وما هو ؟ قال : كنت تكهّنت لإنسان في الجاهلية وما أحسن الكهانة إلا أني خدعته ، فلقيني فأعطاني بذلك فهذا الذي أكلت منه ، فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه . رواه البخاري .

وفاته :
توفي في يوم الإثنين في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة من الهجرة ، وهو ابن ثلاث وستين سنة .

فرضي الله عنه وأرضاه
وجمعنا به في دار كرامته

أعلم بأنني لم أوفِّ أبا بكر حقّـه

فقد أتعب من بعده حتى من ترجموا له ، فكيف بمن يقتطف مقتطفات من سيرته ؟
جزى الله كل الخير من كتبها ونقلها ومر عليها وقرأها والى اللقاء في الحلقة الخامسة عشر من إخترت لك






رد مع اقتباس
قديم 06-13-2012, 03:21 AM رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
الوجيه بن طريِّق
عضو موهوب
إحصائية العضو






 

الوجيه بن طريِّق غير متواجد حالياً

 


Swahlcom A060 الحلقة السادسة عشر - اخترت لك



بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحلقة السادسة عشر – إخترت لك
( لا تحزن ما دمت مؤمنا )
مقدمة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسوله الأمين صلى الله عليه وآله وسلم ، هادي البشرية ومنقذ الإنسانية ، وعلى اله وصحابته الذين حملوا لواء الدعوة إلى الله فرفعوا راية الإسلام خفاقة في المشرق والمغرب حتى علت كلمة الله ، وعلى من اهتدى بهديه واستن بسنته ودعا بدعوته إلى يوم الدين.
أما بعد

هذا الكتاب إلى كل من له قلب أوألقى السمع وهو شهيد ، إلى القلب الذي ينزف دما ويبحث عن الطمأنينة ، إلى العين التي تسكب الدمع وتبحث عن السكينة ، إلى دعاة الصلاح والفلاح والنجاح إن أعظم أسباب السعادة والهدوء والسكينة وانشراح الصدر : فتح باب الأمل والتفاؤل والفرج ؛ ولا يكون إلا بتحقيق الإيمان بالله رب العالمين والعمل الصالح ، وفي هذين العنصرين تكمن السعادة في الحياة الدنيا والآخرة.

(لا تحزن واعرف هذه الحقيقة)

لقد خلق الله الإنسان لحياة خالدة باقية ، وإن الدنيا هي دار عبور وممر لتلك الدار الباقية ، هذه الحقيقة حين تستقر في نفس المؤمنة وفي قلب المؤمن الموصول بالله يصاحبه الشعور بالمسؤولية عن كل يفعل أو يترك.

(لا تحزن لان الأعمال بالخواتيم)

عن أبي عتبة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : (إذا أراد الله بعبد خيرا عسله؟ قالوا: وما عسله؟ قال: يوقفه لعمل صالح ثم يقبضه عليه)

وهؤلاء منهم من يوقظ قبل موته بمدة يتمكن فيها من التزود بعمل صالح سيختم بها عمره .

(لا تحزن ما دام بيتك ممتلئا سعادة ونورا)

أخي الحبيب هل تأملت ، هذه هي حياتهم ، لكنهم يشعرون أن بيتهم قد امتلأ سعادة وحبورا ونورا وسرورا ، إن قلوبهم تعيش المبادئ الحقة التي بعث بها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ولان الدنيا كانت في أيديهم ولم تكن في قلوبهم.


أين سعادة قارون ، وفرح وسروروسكينة هامان فالأول مدفون والثاني ملعون . بل إن السعادة كانت عند بلال وسلمان وعمار .(أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ماعملوا ونتجاوز عنهم سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون ).

(لا تحزن لأنك في خير مادمت تتكلم بأحسن الكلام)
لا أحد أحسن كلاماً وطريقاً وحالاً ممن دعا الناس إلى طاعة الله وطاعة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وذالك بتعليم جاهلهم ووعظ غافلهم ونصح معرضهم ، ومجادلة مبطلهم ، بالأمر بعبادة الله بجميع أنواعها .

(لا تحزن ما دمت تحب للمؤمنين ما تحب لنفسك)

ينبغي للمؤمن أن يحب للمؤمنين مايحب لنفسه ، ويكره لهم ما يكره لنفسه ، فان رأى من أخيه المسلم نقصا في دينه اجتهد في إصلاحه ، فلا يكون المؤمن مؤمنا حقا حتى يرضى للناس ما يرضاه لنفسه.
لا تحزن ما دمت مستجيبا لله وللرسول صلى الله عليه وسلم
قال الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله ولرسوله إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وانه إليه تحشرون)
سورة الانفال الاية 24
فالحياة الحقيقة الطيبة : هي حياة من استجاب لله ورسوله ظاهرا وباطنا ؛ فهولاء هم الأحياء وإن ماتوا ، وغيرهم أموات وإن كانوا إحياء الأبدان ولهذا كان أكمل الناس حياة اكلمهم استجابة لدعوة الرسول (صلى الله عليه وسلم ) فإن كل مادعا إليه ففيه الحياة .

لا تحزن واستعن بالله ولا تعجز

عن أبي هريرة( رضي الله عنه ) قال: قال الرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف ، وفي كل خير، احرص على ماينفعك واستعن بالله ولا تعجز،وإذا أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا كان كذا ولكن قل: قدر الله وماشاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان)
ولذالك تجد الناس يسخطون من القضاء والقدر لأنه عجزة لا يقومون بما طلب الله منهم ، أما المؤمن الصادق: فموقفه من القضاء والقدر يدور حول مقامات:
أن يؤمن أنه من عند الله
أن يشكر الله على النعمة
أن يحمد الله

(لا تحزن واعلم أثقل ما يوضع في الميزان)

عن أبي سعيد ألخدري (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : (قال موسى : يارب علمني شيئا أذكرك به ، وادعوك به؟ قال : قل يا موسى ، لااله إلا الله قال: يارب كل عبادك يقول هذا قال: قل: لا اله إلا الله ، قال: إنما أريد شيئا تخصني به، قال: يا موسى: لو أن أهل السماوات السبع والارضين السبع في كفة ولا اله إلا الله في كفة مالت بهم لا اله إلا الله
(لا تحزن لأن البلاء في صالحك)

اعلم أن البلاء والأمراض وغيرها من المؤذيات التي تصيب المؤمن ويصبر عليها تكون سببا لتطهيره من الذنوب ولذلك جاء في حديث النبي (صلى الله عليه وسلم) مايؤكد ذلك

عن أبي سعيد وأبي هريرة (رضي الله عنهما) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قالنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولاحزن ولا اذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه)
(كيف نستعد ليوم الرحيل)


فالاستعداد ليوم الرحيل يكون بالأعمال الصالحة ،يكون بالصلاة يكون بالصيام، يكون بقراءة القران يكون بالصدقة ، يكون بالجهاد في سبيل الله ، يكون بحج بيت الله الحرام ، يكون بقيام الليل يكون بالذكر والتسبيح والتحميد والدعوة إلى الله
(لا تحزن مادمت تعيش لله)

وهو أن يكون العبد بين يدي الله كالميت بين يدي الغاسل ، يقلبه كيف أراد ، لايكون له حركة ولا تدبير، فالاستسلام كتسليم العبد الذليل نفسه لسيده ، وانقياده له وترك منازعا تنفسه وإرادتها مع سيده والله اعلم.

(لا تحزن واحرص على الاستغفار فان له ثمارا)
قال الله تعالى (استغفروا ربكم انه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعللكم جنات ويجعل لكم أنهارا)
سورة نوح الاية رقم 10 -12


ومن ثمرات الاستغفار
ـ المغفرة
ـ والغيث
ـ وإمداد الله للمستغفر بالأموال
ـ وإمداد له بالبنيين
لا تحزن فان طريق الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم طريق

إن طريق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أعظم طريق ومعنى ذلك: إن الله أكرم هذه الأمة الإسلامية وشرفها إن أشركها مع رسوله الكريم في هذه الطريق، وهي الدعوة إلى الله هذا سبيله
كما قال الله تعالى قل هذه سبيلي ادعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني
يوسفالاية 108


(لا تحزن لأن الدنيا لا تستحق الحزن)

مسكين من اطمأن ورضي بدار حلالها حساب ، وحرامها عقاب ، أن أخذه من حلال حوسب عليه ، وأن أخذه من حرام عذبه ، ومن استغنى في الدنيا فتن ، ومن افتقر فيها حزن ، ومن أحبها أذلته ، ومن التفت إليها ونظرها أعمته.


(لا تحزن وفرغ خاطرك لما أمرت به)


ولا تشغله بما ضمن لك ، فإن الرزق والأجل قرينان مضمونان ، فما دام الأجل باقيا كان الرزق آتيا ، وإذا سدعليك بحكمته طريقا من طرقه فتح لك برحمته طريقا انفع لك منه.

(لا تحزن وأعرف من تصاحب)


الإنسان مجبور على التقليد ، والاقتداء بصاحبه وجليسه ، والأرواح جنود مجندة ، يقود بعضها إلى الخير أوإلى الشر، واقل نفع يحصل من الجليس الصالح انكفاف الإنسان بسببه عن السيئات والمساوئ والمعاصي ، رعاية للصحبة ومنافسة في الخير وترفعا عن الشر والله الموفق.


وقد ضرب النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثلين للجليس الصالح ، والجليس السوء ، عن أبي موسى الأشعري ، (رضي) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (مثل الجليس الصالح والجليس السوء كمثل صاحب المسك وكير الحداد ، لايعدمك من صاحب المسك أما تشتريه وإما تجد ريحه ، وكير الحداد بدنك أو ثوبك أو تجد منه ريحا خبيثة)
(إياك والغفلة عن ذكر الله)



الذكر: هو أن تتخلص من الغفلة والنسيان ، فتمجد الله وتقدسه وتثني عليه سبحانه بجميع محامده .

لذلك صور لنا النبي المصطفى والرسول المجتبى الفارق بين الذاكرين والغافلين فقال : (مثل الذي يذكرربه، والذي لا يذكر ربه كمثل الحي والميت)
(لا تحزن لأن القناعة مفتاح النجاة)
أن القانع بعطاء الله تعالى هوالذي يعيش في مملكة الرضا ، ولو يعلم الملوك ماعند هؤلاء القانعين من النعمة والراحة من السعادة والأمن لجالدوهم عليها بالسيوف ، وتأمل معي كيف كانت حقيقة القناعة عند الرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو الذي خيره ربه بين أن يكون ملكا نبيا أو عبدا فاختار العبودية والقناعة على الملك والجاه والسلطان وكما جاء في الحديث ، هذا هو الذي عرضت عليه الدنيا بأموالها وزخارفها وحريرها ، وذهبها فاعرض جاهدا.

(لا تحزن لأنك مسافر إلى ربك)

اعلم أن الموفق من يغتنم الزمن فيصرفه في طاعة الله فلا تضيع من عمرك لحظة في غير قربة إلى الله عز وجل ، ولذلك قال ابن عمر (رضي الله عنهما): أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمنكبي فقال: ( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر السبيل) وكان ابن عمر (رضي) يقول: ( إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ، وإذا أصبحت فلا تنتظرالمساء ، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك).


(لا تحزن مادمت لا تغفل عن هذه الساعات)



وعن وهب بن منبه ، قال: وجدت في حكمة داود: ينبغي للعاقل أن لا يشغل نفسه عن أربع ساعات :

ـ ساعة يناجي فيها ربه.

ـ وساعة يحاسب فيها نفسه.

ـ وساعة يخلو فيها هو وإخوانه والذين ينصحون له في دينه، ويصرفونه عن عيوبه.

ـ وساعة يخلي بين نفسه وبين لذاته فيما يحل ، ويحمد، فإن هذه الساعة عون لهذه الساعات ، وفضل بلغة واستجمام للقلوب.

(وقل آمنت بالله ثم استقم)


اعلم أن الله سبحانه أمر عباده بالاستقامة وأمر نبيه بها وقال لنبيه ووعد المستقيمين بجزيل الثواب

والاستقامة كلمة جامعة وهي: القيام بين يدي الله على حقيقة الصدق والوفاء بالعهد. وهي تتعلق بالأحوال والأفعال والأقوال والنيات ، فهي من جوامع الكلم ، ولهذا لماجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله سلم وقال له يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا اسأل عنه احد غيرك ، قال له قل أمنت بالله ثم استقم)).
(لا تحزن واعرف إن الأشرار لا يريدون لك الخير)

اعلم أن صحبة الأشرار تلهي العبد عن طاعة الله لأنهم يصدونه عنه( تبارك وتعالى)، ويقعدونه عن فعل الخيرات ،ويلهونه عن التفكير في أخرته ، ويشغلونه بالدنيا وزينتها ، ويرغبونه فيها ، وهذا حال أكثر الخلق فإنهم لا يريدون للعبد الخير، وذلك لأسباب:

ـ الحسد الذي في أنفسهم.

ـ رغبتهم في مشاركته إياهم في شرهم ، فيكون مثلهم ، عاصيا في الدنيا ، خاسرا في الدنيا والآخرة

ـ رغبتهم في أن ينالوا من العبد مرادهم ، ومن أمور لا ينالوها منه لو كان تقيا
(لا تحزن واعلم أن ما قضاه الله لا بد أن يتم)

فالمؤمن يجب أن يكون مذعنا لقضاء الله تعالى وقدره ومؤمنا به إيمانا كاملا لأنه جزء أساسي من عقيدته ، ويؤمن بالقضاء والقدر خيرا كان أو شرا ، حلوا كان أومرا ، سعادة كانت أوشقاء ، غنيا كان أم فقيرا قال تعالى (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبراها إن ذلك على الله يسيرا )
(لا تحزن وأعلم ماذا تسال ربك)

لاشك أن العبد يسال الله كل شيء يحتاجه في أمر دينه ودنياه ، لان الخزائن كلها بيده سبحانه وتعالى لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع ، ويحب أن يسال ، فليسأله العبد كل شيء يحتاجه ، ويهتم العبد اهتماما بالغا بالأمور المهمة العظيمة التي فيها السعادة الحقيقية ، ومن أهم ذلك تسعة أمور هي:

سؤال الله الهداية والسداد-
ـ سؤال الله المغفرة لجميع الذنوب
ـ سؤال الله الجنة والاستعاذة به من النار
ـ سؤال الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة
ـ سؤال الله حسن العاقبة في الدنيا والآخرة
ـ سؤال الله الثبات على دينه
ـ سؤال الله دوام النعمة والاستعاذة به من زوالها
ـ الاستعاذة بالله من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء.
ـ سؤال الله صلاح الدين والدنيا والآخرة
جزى الله كل الخير من كتبها ونقلها وقراها ومرّ عليها والى اللقاء في الحلقة السابعة عشر من إخترت لك.






رد مع اقتباس
قديم 07-27-2012, 11:26 PM رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
شذى العطور
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية شذى العطور
إحصائية العضو






 

شذى العطور غير متواجد حالياً

 


افتراضي




جزاك الله ألف مليون خير
وبارك الله فيك
ونحن بإنتظار المزيد من مواضيعك المفيدة
والله الموفق







رد مع اقتباس
قديم 07-28-2012, 01:14 AM رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
الوجيه بن طريِّق
عضو موهوب
إحصائية العضو






 

الوجيه بن طريِّق غير متواجد حالياً

 


Mpr9 21 تحية معطرة بذكر الله لأختي الغالية / سفيرة فلسطين حفظها الله


بسم الله الرحمن الرحيم

أختي الغالية / سفيرة فلسطين حفظها الله وادامها
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،

كل عام أنت وكافة الاهل بالف خير وبارك الله فيك في هذا الشهر الكريم وجزاك الله الخير كله وابشري إن شاء الله بالمزيد قريبا ولا يهمك يا غالية يا ابنة الغوالي ، دعواتك لاخيك في هذا الشهر المبارك .
واقبلي التحية والاحترام من اخيك الوجيه .
ودمتم والله يحفظكم .







رد مع اقتباس
قديم 07-30-2012, 01:22 AM رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
عمر ثلجي
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية عمر ثلجي
إحصائية العضو






 

عمر ثلجي غير متواجد حالياً

 


افتراضي


بارك الله بك اخي الفاضل الوجية وبهذا الطرح الطيب والنافع وجعله الله بميزان حسناتك ان شاء الله.. مع كل الشكر والتقدير






رد مع اقتباس
إضافة رد

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:30 PM بتوقيت عمان

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. Designed & TranZ By Almuhajir
[ Crystal ® MmS & SmS - 3.6 By L I V R Z ]
mess by mess ©2009